دول إيران وتركيا ومجلس التعاون ودول الاتحاد الأوروبي كلها ستخرج من المهزلة والجريمة الكبرى بخفي حنين، قد يكون البعض استفاد من تجارة السلاح والتهريب، خصوصا تهريب النفط من المناطق التي تركت لـ"داعش" فترة من الوقت وتمويله ونقله، لكن أيا من هذه الدول لن يكون له نصيب في الجائزة الكبرى وهي نفط وغاز العراق وسورية. اللاعبان الرئيسان اللذان سيقطفان الجائزة هما الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية روسيا الاتحادية، وعلى بقية الدول التي ظنت، وأظن أنها ما زالت، أن لها دورا وحصة في الجائزة أن تواجه شعوبها، وقد مات الكثيرون وأصيب كثيرون وضاعت أموال طائلة على حرب عبثية ثم عادت بلا شيء.

لن يمر وقت طويل لنكتشف جميعاً أنه تم التلاعب بنا، وأننا استُدرجنا للحرب بأسباب مفتعلة خُطّط لها بدقة اعتماداً على جهلنا وتعصبنا واستهانتنا بأرواح ناسنا، فاختلقوا "داعش" كما اختلقوا من قبل "القاعدة"، بل إن نجاح "القاعدة" فيما حققته لهم من أهداف في أفغانستان يسّر تكوين "داعش" وتقديم كل التسهيلات له ابتداء من تسليم الموصل له بكل أسلحتها وأموالها، وتتابع تكوين التنظيمات من سنّة وشيعة كلها خرج لمواجهة الكفار، ليس الكفار الأميركيين أو الروس إنما كفار الطوائف الأخرى من إخوانهم بالعروبة والإسلام.

Ad

وحرصت كلا الدولتين العظميين على إيهام الأطراف أنهما معهم تؤيدانهم وتمنحانهم السلاح حتى يُفني بعضهم بعضا، وحدث ما خططوا له، ومات مئات الآلاف من السوريين والعراقيين والمتطوعين من بلاد الخليج وغيرها، وتم تهجير الملايين من شعبي العراق وسورية، وامتلأت بهم جنبات الأرض، وأُفنيت مدنٌ كاملة، وعمّ الخراب كل مدينة أو قرية في سورية ومناطق عديدة في العراق، فماذا كسب أي من هؤلاء؟ وماذا تحقق لهم؟ لا شيء غير الموت والخراب.

في عهد الحروب بالوكالة يتم الوصول إلى الأهداف دون أن يخسر المخططون فرداً واحداً إلا من جُنّدوا من فصائل الجهل والكراهية، وليس هذا فقط، فالحرب بهذه الطريقة يبدأ الربح منها عند لحظة اشتعالها، وأطرافها يشترون من المخططين كل أنواع الأسلحة والدمار، وكل طرف مستعد لشراء وتسليح المقاتلين بأغلى الأسعار، ومن يفاصل البائع في سوق البائعين؟

لا يهتم الجهلة والمتعصبون بأرواح من يقع في طريقهم، ولا يفكرون لحظة بأن ما يفعلونه جريمة، وأنهم يقتلون أهلهم، وأن صفة الشيعي والسني اختلاف اجتهادات لا اختلاف ديانات، وأنه لا أحد في عالم اليوم كافر، فكل الناس لها طريقها إلى الله. هؤلاء الذين سموا أنفسهم مجاهدين عنوة لم يقتلوا كافرا واحدا، هذا إن مر في طريقهم واحد، وإنما يقاتلون بعمى وحقد كاملين إخوتهم في الدين والأرض والإنسانية بقيادة وتوجيه أناس لا ينتمون إلى المنطقة أصلا ولا دين أهلها.

ولو فكر الذين ساندوا "داعش" أو من حاربه فلا بد أنهم اكتشفوا أن الجسم الرئيس من "داعش" ليس مسلما، إنما مرتزقة من خارج ديار الإسلام، وأن الجميع إما مرضى أو مرتزقة شكلوا تنظيمات من أجل المال ليزيحوا في النهاية كل ما يمكن أن يعرقل قطف الجائزة.

وحدها إسرائيل شاركت في التخطيط والتنظيم والتنسيق والمتابعة من أجل تحقيق الاقتتال وإحداث الانقسام بين شعوب منطقة الشرق الأوسط، وتحقيق حلمها سيدة على العالم العربي، وكل التنظيمات التي دخلت المعركة عملت سواء كانت تدري أو لا تدري لمصلحة الدولتين العظميين ومصلحة الكيان الصهيوني.

وها هي حرب "داعش" تنتهي كما بدأت، وأعادت عناصره إلى مهاجعهم، يأخذون استراحة المحارب حتى يستدعوا مرة أخرى، وسمعنا عن الدول التي استعادت أبناءها، وقد طلب منها إدخالهم برامج إعادة تأهيل للاندماج مع المجتمع دون حساب أو محاكمة على ما اقترفت أيديهم؛ لتعاد الاستفادة منهم في مستقبل الأيام، ربما في دول الخليج العربية أو إيران أو في ترويع أوروبا، لكن ماذا حققت أو ستحقق الدول المساندة أو التي أرسلت ميليشيات من إيران ولبنان أو ما قامت به دولة الممر الآمن للمتطرفين تركيا؟ لا شيء، لا شيء البتة، ستخرج من "المولد بلا حمص"، راحت أرواح وضاعت مليارات من كل دول المساندة ثم لا شيء.

اللاعبان الكبيران متفقان، قد يختلفان على النفاصيل لكنهما في نهاية المطاف هما الكاسبان فقط، والغريب العجيب أننا ما زلنا نعتبرهما صديقين وتسعى دول الشرق الأوسط، بعد كل ما جرى، إلى كسب ودهما!