في "تاريخ تقهقر الإمبراطورية الرومانية وانهيارها"، يصوّر إدوارد غيبون بقوة روما في عام 408 بعد الميلاد، حين استعدت جيوش القوط للنزول إلى المدينة، لم تتجلَّ علامات الانحلال الإمبراطوري في مظاهر الترف والهدر العام المريعة فحسب، بل أيضاً في انهيار الإيمان بالمنطق والعلم.

يكتب غيبون أن شعب روما وقع ضحية "الخرافات الصبيانية" التي روّج لها المنجمون والعرافون، الذين ادعوا "أنهم يقرون في أحشاء الضحايا إشارات إلى الازدهار والعظمة في المستقبل".

Ad

هل يصف غيبون، لو كان يعيش في المستقبل، الولايات المتحدة اليوم بـ"المنحلة" أيضاً؟ هذا ما سمعته أخيراً من مفكّر فرنسي بارز موالٍ للولايات المتحدة، إذ اندفع هذا المفكّر لاستعمال هذه الكلمة بعد مشاهدته أخباراً كثيرة عن تغريدات ترامب ترافقت مع الكشف المتكرر عن عمليات تحرش جنسي.

في دولة ديمقراطية لا يُعتبر الفساد على الأرجح مؤشر الانحلال الأبرز، بل الانشغال اللامتناهي بالذات: فقدان القدرة على العمل الجماعي، والإيمان بالهدف المشترك، وحتى القبول بشكل عام من التحليل المنطقي، ولكن لا يمكننا أن نلقي كل اللوم على ترامب، ففي دولة ديمقراطية، تكون العملية متبادلة. يشير "الانحلال" إلى الفوضى الثقافية والأخلاقية والروحية، أي نموذج ترامب في داخل كل منا.

ولم تؤدِّ سنة من سخرية ترامب وأنانيته وغضبه إلى أي هدف غير تعزيز شهية داعميه، فقد تفادت الأمة رصاصة قبل أيام عندما أوصلت جهودٌ جبارة المرشح الديمقراطي دوغ جونز إلى قمة في انتخابات مجلس الشيوخ الخاصة في ولاية ألاباما، ورغم ذلك كان سكان هذه الولاية مستعدين كل الاستعداد لاختيار رجل عنصري يعتدي على الأطفال بدل رجل ديمقراطي، وهكذا كاد المرشح الجمهوري روي مور أن يصبح سيناتوراً بتنظيمه حملة لكره الآخر مهينة لكل صفات الإنسانية.

يشكّل ترامب مثالاً وضيعاً لثقافة الازدراء الجماعي هذه، ولا شك أنه شرّع لغة رهاب الأجانب والكراهية العرقية، إلا أنه أضفى أيضاً شرعية على لغة الأنانية، وربما نستطيع قياس الانحلال الديمقراطي من خلال تراجع أهمية الكلمة "نحن". تشكّل هذه الكلمة أساس السياسات الديمقراطية، بما أن الخيار يعود للغالبية، إلا أن هذه الغالبية تقوم بذلك باسم المصلحة العامة، خلال ذروة عهد الحقوق المدنية وسعي ليندون ب. جونسون لبناء "مجتمع عظيم" قبل نصف قرن، وافقت الغالبية الديمقراطية حتى على إنفاق مبالغ كبيرة من المال ليس لنفسها بل للأقليات المستبعدة، لكن هذا الالتزام يبدو اليوم نبالة نادرة، فهل يتحلى أي من قادتنا بالجرأة الكافية ليقترح حتى سياسة ضريبية قد تؤذي طبقة واحدة، طبقة تتمتع بنفوذ سياسي كبير على الأقل، إلا أنها تعود بالفائدة على الأمة؟

ما من مثال أبرز لسياسات الانحلال من التشريع الضريبي الذي سيوقعه الرئيس قريباً، لا شك أن هذا القانون يخدم مصلحة الأثرياء، إذ تشير العقيدة الداعمة للتوريد الجمهورية إلى أن الاقتطاعات الضريبية التي تُمنح للمستثمر تعزز النمو الاقتصادي، لكن ما يميّز الجولة الحالية من الاقتطاعات عما شهدناه في عهد رونالد ريغان أو جورج بوش الابن يكمن أولاً في الطريقة التي تعود بها بالفائدة بكل وضوح على الرئيس نفسه من خلال إلغاء ضريبة الحد الأدنى البديلة والمعاملة الخاصة التي يحظى بها الدخل العقاري بموجب قواعد "التمرير" الجديدة، صرنا نحن الأميركيين اليوم متكبرين كثيراً، حتى إننا لا نلاحظ الاستخفاف بالمصلحة العامة الذي يعكسه انحلال القطاع الحكومي هذا.

* جيمس تروب

*«فورين بوليسي»