ما من أمر قد يعكس نظرة العناصر الموالية للحكومة في تركيا إلى القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي، التي عُقدت في إسطنبول في 3 ديسمبر، أفضل من رئيس تحرير صحيفة "يني شفق" اليومية الموالية للحكومة الحماسي إبراهيم كاراغول.

كتب في تقييمه للقمة أن "تركيا أحبطت انفجار الولايات المتحدة الأكبر الموجه نحو المنطقة بإعراب اسطنبول عن رد فعل قوي يعكس تمرداً. لم تعد أزمة القدس أزمة بين تركيا وإسرائيل، بل تحوّلت إلى استعراض للقوى بين تركيا والولايات المتحدة، وهو أشبه بعرض جيوسياسي، ومن هذا المنطلق لم يعد الصراع يقتصر على القدس، بل يمثل إشارة إلى نشاط جديد موجه نحو المنطقة بأسرها".

Ad

وأضاف كاراغول أن "هذا سلوك تاريخي، وموقف، وهوية، واستثمار في المقاومة الإقليمية، إذ تُعتبر القمة والقرار الذي اتُّخذ بشأن القدس من الردود الأكثر قساوة وتصميماً التي توجَّه إلى محاولة الولايات المتحدة وإسرائيل أخذ المنطقة رهينة".

صحيح أن كاراغول لا يشتهر بدقة تقاريره أو تحليلاته، إلا أنه يُعتبر من أشد المؤيدين للرئيس التركي، ونتيجة لذلك، يُعتبر من أبرز مَن يعكسون بدقة مشاعر داعمي إردوغان.

لكن كاراغول لم يكن الوحيد الذي رأى أن إردوغان حقق نجاحاً مذهلاً في مجال السياسة الخارجية؛ فقد هلل معلقون أتراك كثر لأهمية بيان منظمة التعاون الإسلامي الأخير بعد قمة اسطنبول. يدرك معظم المطلعين على القضية الفلسطينية وسياسات الشرق الأوسط أن كل ردود الفعل هذه تعكس تردي نوعية الصحافة التركية عند تغطيتها السياسات الدولية، قد يُعتبر قرار الرئيس ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس هفوة استفزازية أو قراراً غير مدروس على أقل تقدير، لكنه لا يعرقل بحد ذاته حل إقامة دولتين، والذي يؤدي، إذا طُبّق، إلى ولادة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

أما بشأن مصادقة المملكة العربية السعودية على القرار، فإن خطة السلام العربية لعام 2002، التي ما زال العالم العربي ملتزماً بها، تحمل ختم المملكة وتوقيعها، لذلك لا تُعتبر مصادقة الملك سلمان على بيان منظمة التعاون الإسلامي الختامي، الذي لم يتخطَّ حدود خطة السلام العربية لعام 2002 التي رعتها السعودية، خطوة غريبة.

إذا أردنا تقييم تأثير لقاء منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول وبالتالي نفوذ إردوغان، فإن مستوى المشاركة يشكل معياراً أفضل، فمن بين أعضاء المنظمة الستة والخمسين (طُردت سورية)، مثّل 16 فقط رؤساء دول. إذن من الصعب أن نصف هذه الصورة كعرض مذهل للتضامن الإسلامي بشأن القدس.

علاوة على ذلك، استحوذ حضور شخصيتين على اهتمام وسائل الإعلام الدولية: الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، فالأول مطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وكانت هذه أول مرة يزور فيها تركيا منذ عام 2009، وبالإضافة إلى حضور الرئيس السوداني المثير للجدل، قد تُعتبر مشاركة مادورو محاولة من إردوغان للتعاطي مع الولايات المتحدة بتعالٍ.

لكن التطور الأكثر أهمية يبقى ملاحظات مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال هربرت ماكماستر بشأن تركيا، ما يشكك في استعراض النفوذ التركي في قمة اسطنبول.

بالحديث عن التطرف في لقاء بواشنطن مع المؤسسة الفكرية البريطانية Policy Exchange، ذكر ماكماستر: "لم نولِ اهتماماً كافياً لكيفية الترويج للعقيدة الإسلامية المتطرفة من خلال المؤسسات الخيرية، والمدارس، وتعزز اليوم قطر وتركيا ممارسات مماثلة". ورغم أهمية ما قاله لا بد من التوقف عند واقع أن هذه الكلمات صدرت عن ماكماستر، الذي يُعتبر العقل الأكثر تعقلاً في الإدارة الأميركية اليوم.

في الخطاب عينه، أعلن ماكماستر أن ترامب سيتبنى إستراتيجية أمنية قومية جديدة ستقوم على مصالح استراتيجية حيوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وقد استدعت ملاحظاته هذه رداً فورياً من الخارجية التركية، وجاء في بيان لها أن "ادعاءات ماكماستر، التي لا أساس لها، منافية للواقع، وصادمة، وغير مقبولة".

لكن صحيفة "صباح" الموالية للحكومة، أشارت إلى أن مجلس الأمن القومي الأميركي، في محاولة للحد من الضرر على ما يبدو واسترضاء لأنقرة، أعاد تأكيد التزامه بشراكة استراتيجية مع تركيا، مضيفة أن "الولايات المتحدة قالت إنها ملتزمة بشراكة استراتيجية مع تركيا بغية نشر الاستقرار في المنطقة".

علاوة على ذلك، أخبر مسؤول في مجلس الأمن القومي وكالة الأناضول أن أميركا "تقدّر جهود تركيا لتعزيز أمن حدودها، ووقف تدفق المقاتلين الأجانب عبر أراضيها، والقتال على الأرض بهدف استئصال داعش من بلدات أساسية بسورية".ولكن نظراً إلى أداء تركيا خلال قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول وتعليقات ماكماستر الأخيرة، يبدو التصادم بين أنقرة وواشنطن أكثر احتمالاً من عمل هذين الحليفين السابقين المتباعدين على توطيد شراكتهما الاستراتيجية.

* جنكيز تشاندار