شهدنا خلال الصراع في سورية عدداً من التدخلات الخارجية التي سعت إلى إنقاذ النظام، وأعلنت الولايات المتحدة وروسيا أخيراً أن مهمتيهما في سورية بلغتا أهدافهما بالقضاء على خطر "داعش" في البلد، فمنذ أن تدخلت روسيا عام 2015 حققت ثلاثة إنجازات أساسية للنظام.

جاء الأول في مطلع عام 2016 حين اتضح أن النظام بات في مأمن بعدما شككت واشنطن بادئ الأمر في قدرة موسكو على حماية حليفها في سورية، ففاز الأسد بحرب استراتيجية، وظهرت مؤشرات إلى أن داعمي الثوار، حتى الأكثر التزاماً بينهم، بدؤوا يتراجعون عن هدفهم الأول: الإطاحة بالنظام.

Ad

وكان الإنجاز الثاني تبديل تركيا موقفها بالكامل في صيف السنة الماضية عندما تدخلت في سورية لتنشئ منطقة عازلة هدفها وقف التوسع الكردي في شمال سورية، ونتيجة لذلك حذفت أنقرة حملتها ضد دمشق من قائمة أولوياتها لمصلحة التحالف مع روسيا، في حين بلغ التوتر بينها وبين الولايات المتحدة ذروته بسبب دعم هذه الأخيرة وحدات حماية الشعب الكردية، وهي ميليشيا كردية يعتبرها الأتراك منظمة إرهابية، وهكذا سمحت التفاعلات الجديدة في الشمال بطريقة مباشرة وغير مباشرة للنظام باستعادة حلب وترسيخ وجوده في الجزء الأكبر من الشمال.

في تلك المرحلة، بدأت المعارضة بالخسارة على جبهات عدة، إذ لم تفقد هذه المعارضة تأييد داعميها العسكري غير المحدود فحسب، بل انتقل أيضاً داعمها التركي القوي إلى لعبة مختلفة عادت بالفائدة غالباً على الطرف الآخر، وخصوصاً أن الخطط التركية أضعفت تدرجياً الخطر الذي يهدد النظام، وشملت الجهود التي دعمتها تركيا عمليات وقف لإطلاق النار انتهكها النظام باستمرار، وهكذا باتت تركيا مساعد السائق فيما تولت روسيا القيادة. في المقابل استمرت الولايات المتحدة بالتركيز على "داعش" بدون أي تعديل.

علاوة على ذلك بدأت المعارضة تخسر الحرب الداخلية، فقد سيطر المجاهدون في الشمال، وخصوصاً ما يُعرف بهيئة تحرير الشام، تدريجياً على المشهد في وسط سورية وشمالها الغربي على حساب قوات أخرى، منها حلفاء سابقون مثل "أحرار الشام".

أما الإنجاز الثالث الذي حققته روسيا، فهو قدرتها على إعادة صياغة عملية جنيف، وهي عملية السلام التي أصرت القوى الغربية على أنها المنصة الوحيدة للتسوية السياسية المستقبلية في سورية. عملت روسيا مع تركيا وإيران على إعادة رسم الخريطة في شمال سورية وجنوبها وإعادة تعريف المصطلحات التي تستخدمها الأمم المعنية بالصراع لمناقشة التغيير في البلد، فقد بدأت العملية التي تقودها روسيا في أستانة، فضلاً عما شهدناه أخيراً في سوتشي، بتبديل تركيبة المعارضة، معنى الانتقال السياسي، والحوارات حول الانتخابات والدساتير.

صارت عملية "أستنة جنيف" هذه ممكنة بسبب غموض اللغة المعتمدة في قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة الذي جرى التوافق عليه في شهر ديسمبر عام 2015 ووقوف أوروبا والولايات المتحدة مكتوفتي اليدين في هذا المجال مقابل دولة روسية تتدخل وتعمل بنشاط.

ما زال من المبكر تحديد ما إذا كانت اللعبة قد انتهت أم لا، ولكن تُعتبر المكاسب التي حققها النظام خلال السنة الماضية الأكثر أهمية منذ بداية هذا الصراع، فقد عُلّق القتال في الجزء الأكبر من البلد، ويبدو أيضاً أن النظام وحلفاءه يملكون اليد الطولى على الجبهة السياسية.

ولكن من الممكن بالتأكيد أن يتبدّل الوضع الراهن في السنوات المقبلة، مما قد يضع النظام الحالي وكل المعنيين بالصراع أمام جولة جديدة من التحديات.

* حسن حسن

* «ذي ناشيونال»