طوال العقود القليلة الماضية شكّلت فكرة أن إيران خاضعة لحكم "ملالي مجانين" إحدى الأفكار النمطية العنصرية الأكثر شيوعاً في خطاب السياسة الخارجية الأميركية، وهذا يكشف نقطة مهمة: فكرة أن القيادة الإيرانية داكنة البشرة ومسلمة إلى حد كبير، مما يجعلها مستعدةً لاستعمال الأسلحة النووية في الحالة ضد إسرائيل والولايات المتحدة، في حال طورتها، مع أنها تدرك أنها ستواجه رداً قوياً جداً، وهكذا تكون الخلاصة المرجوة، مع أنها محددة مسبقاً، ضرورة أن ننفذ غزواً فورياً لمنعها من تطوير سلاح مماثل.

لا تشكّل هذه مجرد تفاهات، فالوحيدون في العالم الذين يشغلون مناصب واسعة النفوذ ويتصرفون كانتحاريين في مجال السياسة الخارجية هم المحافظون الجدد الأميركيون مثل السيناتور ليندسي غراهام. يطالب هذا السيناتور بضربة استباقية ضد دولة كوريا الشمالية المسلحة نووياً إذا لم توقف برنامجها الصاروخي البالستي الطويل المدى.

Ad

حري بغراهام وأعوانه أن يصمتوا! فقد ردعت كوريا الشمالية الولايات المتحدة وما بيدنا حيلة.

تكمن المشكلة الأولى في منطق غراهام في أنه هو ورئيسه مسؤولان إلى حد ما عن الجولة الأخيرة من تطوير الأسلحة في كوريا الشمالية، فمنذ اللحظات الأولى في منصبه، يعمل ترامب ومجموعته من المتملقين المتزلفين بدأب على تأجيج التوتر مع كوريا الشمالية: أهانوا كيم يونغ أون شخصياً، وأعلنوا أن البحرية ستُرسل مجموعات حاملات طائرات إلى بحر اليابان في محاولة لاستعراض القوة، وهددوا بتدمير هذا البلد، وإلى ما هنالك.

لا عجب إذاً في أن يبدأ سعي كوريا الشمالية إلى تطوير الأسلحة مباشرةً بعد تولي ترامب منصبه، ومن الواضح أن قيادة كوريا الشمالية تعتقد أن أي قدرة على ضرب أهداف أميركية قد تنجح في ردع نظام ترامب، بما أن القدرة على ضرب حلفاء الولايات المتحدة في اليابان وكوريا الجنوبية لم تحد من استعراض العضلات المتواصل. أما المشكلة الثانية، فتعود إلى تجاهله التاريخ. صحيح أن كوريا الشمالية دولة توتاليتارية بوليسية، إلا أن لها كل الحق في أن تنظر إلى الولايات المتحدة نظرة شك وريبة، فلم يكتفِ الجيش الأميركي بعزو العراق أخيراً متذرعاً بحجج كاذبة، بل نفّذ أيضاً عمليات قصف مرعبة في كوريا الشمالية نفسها قاربت حد الإبادة الجماعية خلال الحرب الكورية. فتراوح عدد قتلاه بين 650 ألف شخص ومليونين، أي نحو 7% إلى 20% من مجموع السكان آنذاك، ومن المؤكد أن الناس لا ينسون معاملة مماثلة ويتصرفون وفقها.

أخيراً، تكمن المشكلة الثالثة في أننا لا نستطيع تحمّل كلفة حرب مع كوريا الشمالية، لطالما كان هذا الخيار غير مقبول حتى لو وضعنا الأسلحة النووية جانباً، نظراً إلى انتشار المدفعية الثقيلة جنوب سيئول، فبواسطة الأسلحة التقليدية وحدها، تستطيع كوريا الشمالية على الأرجح قتل مئات آلاف إن لم نقل ملايين الكوريين الجنوبيين (فضلاً عن عشرات آلاف الجنود الأميركيين) في غضون دقائق. وتأتي قدرتها النووية المحدودة على ضرب طوكيو، وسيئول، وهاواي لتزيد هذه الحسابات الأخلاقية تعقيداً.

طوّرت كوريا الشمالية اليوم صواريخ بالستية تستطيع على ما يبدو ضرب أي موقع في الولايات المتحدة، ولكن حتى لو كانت هذه القدرة مبالغاً فيها، تستبعد بالكامل احتمال نشوب حرب عدوانية، وحتى العنصريون الأكثر حباً للإبادات الجماعية، الذين يفضلون حرباً خارجية جديدة على الحفاظ على حياة ملايين الكوريين الجنوبيين واليابانيين، يعتبرون الهجوم العدواني بكل بساطة خطراً كبيراً جداً يهدد الأميركيين أنفسهم، فأي مدينة أميركية يرغب غراهام في تحويلها إلى رماد مشع؟ لوس أنجلس أم العاصمة واشنطن أم مدينة نيويورك أم شارلستون؟

إذا تمكن الأميركيون من التعايش مع الاتحاد السوفياتي خلال عهد ستالين فلا شك أننا نستطيع اليوم العيش مع كوريا الشمالية، ويكفي أن يصمت مسؤولون مثل ليندسي غراهام وترامب.

* ريان كوبر

* «ذا ويك»