مظاهر الفساد السياسي المؤسسي أصبحت ظاهرة للعيان وأكثر من أن تُحصى، إذ لا تخلو الدواوين والمنتديات العامة والجلسات الخاصة من الحديث عنها، ومع أهمية فضح الفساد بأشكاله كافة، إلا أن الأهم هو كيفية محاسبة الفاسدين ووضع حد للفساد السياسي المؤسسي، فالناس غير المهتمين بالشأن العام يكتفون في مجالسهم الخاصة بالإشارة إلى مظاهر الفساد المختلفة التي يرونها ويعانونها، ولكنهم يتحاشون، في أحيان كثيرة، الحديث عنها علانية، وذلك في ظل ترسانة القوانين المُقيدة للحريات التي أُقرّت على عجل في السنوات القليلة الماضية.

لذلك فإن مهمة طرح البديل الديمقراطي والعمل على تحقيقه تقع على عاتق المهتمين بالشأن السياسي والعام، وبالذات "التنظيمات السياسية" المدنية الديمقراطية والتقدمية التي من المفترض ألا تضيع المزيد من الوقت في تعداد مظاهر الفساد السياسي المؤسسي بعد أن باتت واضحة للجميع، بل عليها، بدلاً من ذلك، طرح بدائل عملية من شأنها تحقيق الإصلاح السياسي والديمقراطي، ثم العمل، ضمن ما هو متاح من إمكانات ووسائل ديمقراطية، على تشكيل رأي عام يتبنى البدائل، ثم يضغط على الحكومة لإقرارها مثلما حصل، مثالاً لا حصراً، عندما استجابت الحكومة لمطلب حملة "نبيها خمس" الشبابية آنذاك، وهو تغيير النظام الانتخابي إلى خمس دوائر انتخابية.

Ad

وفي هذا السياق فإن طرح نظام انتخابي بديل عن النظام الانتخابي الحالي هو استحقاق وطني ومدخل مهم للغاية من أجل تحقيق الإصلاح السياسي-الديمقراطي، إذ لا ديمقراطية حقيقية في ظل غياب نظام انتخابي ديمقراطي عادل يتم التوافق عليه وطنياً بحيث لا ينفرد طرف سياسي بإقراره.

وكما ذكرنا من قبل فإن النظام الانتخابي الحالي الذي انفردت الحكومة بإقراره قبل عدة سنوات هو نظام غريب غير معمول به في العالم، ومخرجاته السيئة باتت واضحة لأي شخص منصف، ومنها تهميش مجلس الأمة كمؤسسة دستورية ديمقراطية، حيث إن الحكومة أصبحت لا تتحكم في تشكيل مكتب المجلس ولجانه فقط، بل أيضا في مواعيد عقد جلساته مثلما رأينا مؤخراً في جلسة قانون الرياضة التي عُقدت على عجل على الرغم من أن الحكومة مستقيلة، في حين أن الحكومة ذاتها امتنعت عن حضور الجلسة التالية التي طلب عقدها عدد من الأعضاء.

إقرار نظام انتخابي جديد هو استحقاق وطني من أجل المحافظة على نظامنا الديمقراطي وتطويره، فالنظام الانتخابي الحالي أو ما يُطلق عليه إعلامياً "نظام الصوت الواحد" أي صوت الحكومة منفردة، هو في حقيقة الأمر، وبعكس ما يُروّج له إعلامياً، ليس صوتاً كاملاً لكل ناخب، بل "عُشر صوت فقط" لكل ناخب، وهو ما يخالف القاعدة الديمقراطية الشهيرة التي تعتبر أساس النظام الديمقراطي الحقيقي، وهي قاعدة "صوت واحد لكل ناخب"، بحيث يُصوّت لنائب واحد فقط يُمثّل الدائرة الانتخابية، أو لقائمة انتخابية واحدة على مستوى الدولة.