تمر أيام مهرجان الكويت المسرحي الـ18، وبمضي الوقت تتضح هوية وملامح الدورة الجديدة من حيث المزاج العام للعروض التي تُقدم. ولعل اللافت اتجاه أغلب المخرجين لاختيار نصوص ذات صبغة اجتماعية، وهو ما يعكس حالة الجفاء مع القضايا السياسية التي كانت مهيمنة خلال السنوات الماضية على أغلب عروض المهرجانات المسرحية المختلفة.

ومساء أمس الأول كنا على موعد مع عرض "غفار الزلة" لفرقة مسرح الخليج العربي على مسرح الدسمة، وهي من تأليف محمد المهندس، وإخراج عبدالله العابر، وتمثيل: حنان المهدي، مشاري المجيبل، محمد ملك، هبة العيدان، عبدالله البدر، آلاء الهندي، منال الجارالله، عبدالله البصيري، بدر البناي، سعاد الحسيني، فهد الأحمد، سارة القبندي، فيصل السعد، كفاح الرجيب وفهد العامر، ومصمم الديكور محمد الربيعان، ومصمم الأزياء د. فهد المذن، والإضاءة لعبدالله النصار، وموسيقى ومؤثرات عبدالله البلوشي، وماكياج تهاني جعفر، وإدارة الإنتاج: حمد العصفور ومساعد مخرج ياسر الحداد.

Ad

"غفار الزلة" يطرح قضية اجتماعية، ويترك لكل متلقٍ حرية التأويل والإسقاط على مختلف نواحي الحياة، سواء السياسية أو الاقتصادية، فالثأر قضية موجودة في أغلب المجتمعات العربية يُولد الانتقام والحقد والكُره، ويقتل الأمل، حتى إن خبت ناره، لكنها تبقى مشتعلة تحت رماد الكراهية.

تلك الثمية العامة للعمل، التي اشتغل عليها الكاتب المهندس، من خلال قصة حب حمود وشيخة، التي انتصرت ظاهريا على رغبة الأم في الأخذ بالثأر، لكن نيران الحقد التهمت كل شيء، ولم يتبق من هذا الحب سوى الذكرى.

صراع بين قبيلتين يسقط على أثره أحد الشيوخ قتيلا، وتمضي الأيام، ويوقف حب حمود لشيخة نزيف الدماء، لكن كيف ذلك والقتيل هو والدها، وأمها وإن تقبلت الأمر على مضض، لكن في داخلها كُره وحقد تجاه حمود، تحثها على الأخذ بثأر والدها منه، لكن تفشل شيخة، التي تكتشف بمرور الوقت أنها حامل في طفل يمثل الأمل الحقيقي لوأد هذه الفتنة، وما إن يرى النور، حتى تغتال جدته براءته، ويلقى الطفل حتفه بديلا عن والده، ليرحل ويلملم معه ما تبقى من أمل في السلام، ويورث الجميع الحسرة والألم.

المتابع لـ"غفار الزلة" يلمس كمّ المشاعر الإنسانية المتشابكة لنص يزخر بالحوارات المكثفة بين جميع أطراف العمل، ما يضع أي مخرج في مأزق، كيف سيتعامل مع نص معقد بهذا الشكل؟

وقد استطاع د. عبدالله العابر أن يكسب هذا التحدي، لاسيما أنه مخرج متمكن من أدواته، تعامل مع العمل بذكاء، وسار في اتجاهين؛ الأول: الاشتغال على عنصر التمثيل، فكان سلاحه مجموعة مميزة من الممثلين لهم بصمات سابقة في المسرح النوعي، لاسيما حنان المهدي في دور شيخة، وهبة العيدان بشخصية الأم، ومشاري المجيبل وعبدالله البدر. أداء متقن لم يتوقف فقط عند حاجز الحوار، إنما احتاج إلى مجهود بدني كبير.

أما الخط الثاني، فتمثل في المجاميع، والتي كانت على درجة كبيرة من الانسجام، وساهمت في الربط بين المشاهد المتسارعة.

مسرح فقير

ومنذ الوهلة الأولى تساءلت كمتفرج؛ لماذا اعتمد العابر على المسرح الفقير؟ وبمضي الوقت تكشَّف أن المخرج لجأ إلى هذا القالب، معتمدا على اللون الأسود، الذي لف المسرح، وموظفا قطعا من الديكورات البسيطة للربيعان، الذي بدا مدى استيعابه للنص، والتي اختزلت العديد من الأفكار، للإمعان في فكرة الثأر، والتأكيد على الصراع بين الأمل البسيط والحقد الكبير.

وحافظ المخرج على الأجواء التراثية، موظفا العديد من الفنون الشعبية، لاسيما على مستوى الموسيقى الحية، التي كانت نابضة بالحياة، وكذلك المؤثرات الصوتية، فيما وفق النصار مصمم الإضاءة في وضع رؤية واعية اتسقت والحالة النفسية للممثلين، وعبَّرت عن كل مشهد بصدق.

المتابع لتجارب العابر السابقة يلمس حرصه على التطور من مسرحية إلى أخرى، باختيار الطريق الصعب، ليجدد من ذاته، ويكتسب خبرات أكثر تضيف إلى سيرته كمخرج مولع بالتراث، وتجلى ذلك بوضوح في مشهدين اعتبرهما الأبرز في المسرحية؛ الأول مشهد ولادة الطفل عيسى من رحم الألم، والثاني الحوار الثلاثي بين حمود وشيخة والأم تخللهما الدخول المنظم لمجموعة التعبير الحركي واستخدامها للعصي، في إشارة إلى حالة جلد الذات التي تعيشها الشخصيات.