يدرك المصريون أن الحرب ضد الإرهاب طويلة ومرهقة، ولن تنتهي في يوم وليلة، بل ستحتاج إلى وقت طويل ومجهود كبير حتى يتحقق الانتصار، ويرى البعض أن الاستمرار في العمليات العسكرية من قصفٍ للمتطرفين واستهدافٍ للبؤر الإرهابية في سيناء هو الحل الوحيد للقضاء على قوى الشر تلك، إلا أن الحقيقة هي أن هناك طريقا آخر يجب أن تسير فيه الدولة بالموازاة، وهو طريق التنمية.

نعم، ما تفعله القوات المسلحة الآن في سيناء يشفي غليل صدور المصريين إلى حد كبير، ولابد أنه أكد لهم أن أبناءهم قادرون على حماية حدودهم ودحر أي جماعة أو تنظيم يفكر في الاقتراب من الأراضي المصرية، لكن من يضمن أن موجات الإرهاب التي تطل برأسها على مصر كل فترة، لن تطل من جديد؟

Ad

طريق التنمية والبناء

أعتقد أن الرئيس السيسي يدرك حاجة مصر إلى التنمية والبناء كسلاح ناجع ومؤثر في الحرب على الإرهاب، فهناك اجتماعات للحكومة بشأن تنمية سيناء سمعنا عنها، لكن يبقى على الحكومة وعلى الإدارات التنفيذية أن تكون عاملاً مساعداً في هذه الحرب، لا أن تكون حجر عثرة في طريق المستقبل.

ينبغي أن يكون الهدف الآن هو تحويل الأمنيات إلى رؤى، ومن ثم ترجمة هذه الرؤى إلى خطط وخطوات مرسومة بأسلوب علمي، تأتي بعدها مرحلة توفير الأدوات والإمكانات اللازمة لتنفيذ هذه الرؤى، وهذا لن يتحقق إلا بثورة حقيقية على البيروقراطية والمعوقات الإدارية، وطرق "تطفيش" الاستثمارات.

عندما نتحدث عن سيناء وعما تحتاجه سيناء، فلابد أن نتحدث أولاً عن الثمن الذي دفعه أهالي سيناء طوال الفترة الماضية، وهو ثمن لم يُدفع فقط في الحروب التي خاضتها مصر ضد العدو الإسرائيلي وكانت سيناء ساحة معركة فيها، ما تسبب في سقوط العديد من الضحايا من أبنائها، بل استمرت تضحياتهم طوال الفترة الأخيرة، التي زاد فيها الإرهاب، وضرب بلا هوادة ولا تفريق، حتى حادث مسجد الروضة الأخير في بئر العبد والذي راح ضحيته أكثر من 300 من أبنائها.

مشكلة أهالي سيناء هي عدم وجود التنمية التي ستقضي بالتبعية على الجهل والإرهاب والفقر، ولكن أي طريق للتنمية يجب على الدولة أن تتبعه؟

لقد ملّ أهالي سيناء من حديث الحكومات المتعاقبة على مدار أربعين عاماً عن تنمية سيناء، دون أن يروا شيئاً، ولم يعودوا يصدقون عناوين الصحف التي تتحدث في المناسبات الوطنية أو في الأحداث الجسام عن ضرورة التنمية، وعن المشروعات والمصانع الكبرى التي ستحل مشاكل أهالي سيناء، لأن هذا ليس حلاً مناسباً.

فالحديث عن مشروعات أو مصانع كبرى لن يحل مشكلة هؤلاء الفقراء الذين يمثلون القطاع الأكبر الذي يحتاج إلى تنمية حقيقية، لأنها في النهاية لن تغطي كل القطاعات، ولن توفر وظائف لجميع الباحثين عن عمل، ولن تغطي المساحة الكبيرة لسيناء.

في ظني أن الحل الأمثل الذي تحتاجه سيناء الآن، والذي سيحقق تنمية حقيقية يشعر بها المواطن في سيناء، ويلمسها بيده هي المشروعات المتوسطة والصغيرة، والتي لن تكون تكلفتها بالتكلفة الكبيرة نفسها للمشروعات العملاقة، ولن تتركز في مساحة محددة، ولن يسيطر عليها عدد محدود من أصحاب المصالح، ولن يعمل فيها عدد قليل من الباحثين عن العمل، بل ستصل إلى المحتاجين إلى العمل فعلاً، وتغطي قطاعات كبيرة.

المشروعات الصغيرة والمتوسطة إذا تم تنفيذها في سيناء فستحل مشكلات كثيرة، وسيشعر أهالي سيناء بمردودها الإيجابي عليهم، وعلى عائلاتهم، كما أنها ستنعش الاقتصاد المصري ككل.

إن نجاح هذه المشروعات لا تكفيه مجرد مبادرات فردية، بل يجب أن يكون توجه دولة، تدرك كيف تنعش الاقتصاد، وتعمل على تنمية حقيقية تمس المواطنين، وتصل إليهم في أماكنهم، وتقوم بتشجيع البنوك على التوسع في تمويل هذا القطاع الحيوي المحرك للنمو الاقتصادي، وبهدف تحقيق التنمية المستدامة، وتوفير فرص العمل لمواجهة مشكلة البطالة، وبمثل هذه المشروعات يمكن حل مشكلات أخرى تسببها البطالة أهمها الانخراط في الإرهاب.

ربما علينا جميعاً أن نستعير الشعار "يد تبني ويد تحمل السلاح" ونجعله طريقاً لنا، ونبراساً نسير على ضوئه، فهذا هو طريق الدفاع الحقيقي عن حاضر مصر ومستقبلها، والطريق الوحيد لكي تصبح سيناء، بل كل مصر، مكانا خالياً من الإرهاب والتطرف، فلا علاج ولا حل إلا بالبناء.