ضمن النشاط الثقافي الذي صاحب احتفالية جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، في دورتها الثانية، والذي أقامته الجامعة الأميركية في الكويت من 4-5 الجاري، وفي جلسة حوارية مع الكُتاب أصحاب القائمة القصيرة: تميم هنيدي، شهلا العجيلي، لؤي حمزة عباس، محمود الرحبي، وبعد أن أدلى الكُتاب بشهاداتهم حول علاقتهم بالكتابة وبفن القصة القصيرة تحديداً وعوالم مجموعاتهم، أقام مدير الجلسة؛ الكاتب أحمد زين، حواراً بين المنصة والحضور من الكُتاب والنقاد، حيث أثار كاتب القصة العراقي محمد خضير أهمية الالتفات لأشكال جديدة في فن القص، وأن أهم ما يميز أي قصة قصيرة، هو الشكل الذي تأتي فيه. وأيَّده في ذلك الكاتب المصري عبده جبير، وكذا الناقد المغربي د. سعيد بنكراد.

إن الحضور الكبير الذي عاشه فن القصة القصيرة العربية خلال فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات قدَّم أشكالاً قصصية مختلفة، لامس فيها الحداثة والتاريخ والواقع والفانتازيا، وقدم أسماءً قصصية عربية كثيرة. لكن، ومع بدء صعود فن الرواية، واجتياحه الكبير لساحة الكتابة والنشر والقراءة والجوائز، على مستوى العالم، انحسر نجم القصة، وتوارى الشعر.

Ad

وإذا كان أحد أهداف جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية هو إعادة وتسليط الضوء على فن القصة، فإن العالم صار يشهد عودة ملحوظة لهذا الفن المبدع، وليس أدل على ذلك من منح جائزة نوبل للآداب للقاصة الكندية آليس مونرو (Alice Munro) عام 2013، كما أن النظر إلى العدد المتقدم لجائزة الملتقى في دورتها الثانية (240 مجموعة قصصية)، يظهر بشكل جلي عودة الكاتب العربي لفن القصة. لذا جاءت ملاحظة الكاتب المبدع محمد خضير بضرورة الالتفات إلى الشكل الجديد والمتجدد. فعوالم القرن الواحد والعشرين بثورة الإنترنت ومحركات البحث وشبكات التواصل، كل هذا وغيره يلزم القاص العربي بالبحث عن شكل جديد ليقدم قصته فيه.

إن أحد أهم ما يميز الفن المبدع، هو انفتاحه على مغامرة التجريب، فليس من مدرسة للكتابة الإبداعية تجيز وضع أطر محددة للكتابة القصصية. وهي، أي الكتابة الإبداعية، إذ تصر على ضرورة مراعاة الأصول الفنية للجنس الأدبي، وتوفر عناصر الكتابة الفنية، فإنها تشير بشكل واضح إلى أن الذوق الشخصي، والوعي الشخصي، وتراكم الخبرة، والانفتاح على الكتابات الجديدة، تجعل من الكتابة مغامرة مفتوحة على التجريب والجديد وعلى الوعي والوصول إلى جمهور مختلف.

إن الشكل المعروف لكتابة القصة، بوجود بداية وقمة وخاتمة، بات من مخلفات الكتابة الماضية، فمثلما صار وجود الراوي العليم يثقل على أي كتابة سردية، رواية كانت أو قصة، فإن اختيار صوت الراوي، والزاوية التي يرى من خلالها الحدث القصصي، وعلاقته بذلك، كل هذا يجعل من الكتابة القصصية الحديثة مغامرة إبداعية تتطلب من الكاتب التجريب والتدقيق وإعادة الكتابة، لتطرح مواضيع قصصه بقوالب فنية جديدة يستطيع القارئ التفاعل معها وفهم رسالتها.

لقد غدت الكتابة الإبداعية علما يغزو العالم، وصارت المعاهد والجامعات الغربية تضع شروطاً قاسية جدا لقبول الطلبة في هذا القسم، فالجامعات إذ تشترط على الطالب تقديم شيء من عمله الإبداعي، فإنها تخضعه لمقابلة شخصية، مع كُتاب مخضرمين ونقاد وإعلاميين، ليتم قبوله متى اجتاز تلك المقابلة. ويعود سبب ذلك إلى إدراك إدارات الجامعات والمعاهد الغربية لأهمية الإبداع، وأهمية خلق جيل من المبدعين، في شتى فنون الأجناس الأدبية والفنية، جيل يمتلك إلى جانب موهبته المعرفة الصحيحة والدقيقة بأساسيات الجنس الأدبي الذي يشتغل فيه. وهكذا يأتي المبدع جاهزاً للعطاء الجديد، وخاصة في مغامرة الشكل الأدبي.

ملاحظة مهمة أطلقها القاص المبدع محمد خضير، الذي جرَّب وغامر في أعمال قصصية وروائية كثيرة له، وهي إذ تستحق الوقوف عندها، فإنها تشكل نصيحة مهمة لأي كاتب يبدأ مشواره مع القصة القصيرة.