هالني ما سمعته وفجعت به من ردات فعل للحكام العرب بمن فيهم حكام فلسطين على قرار الولايات المتحدة اعتبار القدس عاصمة لما يسمى إسرائيل، فتصريحات الحكام وخطابات وزرائهم الذين اجتمعوا في جامعة الدول العربية لشجب قرار الرئيس الأميركي، أو الذين ظهروا لنا في وسائل الإعلام كانوا يشجبون القرار الأميركي، ويقدمون البديل عنه تطوعا ولا أدري لماذا الخوف من إغضاب السيد؟

اتفقوا جميعا على أن ما كان يجب أن يطلبه الرئيس الأميركي هو القدس الغربية فقط، وآخرون قالوا إن الرئيس تسرع وكان يفترض أن يؤجل هذا القرار لنهاية مرحلة تفاوض واتفاق الفلسطينيين والصهاينة، أي أنهم لا يمانعون ذهاب كل القدس ولكن في نهاية المطاف وليس الآن.

Ad

تصوروا أنه لا أحد منهم قال إن الصهاينة محتلون لفلسطين، ويجب أن يتركوها كلها لا القدس فقط، وأن يردوا الصفعة أقوى منها، لكنهم حتى في عملية الشجب بمقر جامعة الدول العربية كانوا خانعين وقابلين بتسليم نصف القدس الآن وقبل كل شيء.

كان موقف الرئيس الأميركي فرصة للتخلص من كل القيود والاتفاقيات والعودة للمربع الأول والتهديد بالعودة للكفاح المسلح إذا لم تقف الولايات المتحدة موقفا محايدا على الأقل، إن لم تستطع الوقوف مع الحق والعدل، لكننا اخترنا أن نستمر في الهوان والخضوع لـ"صديق" لم يصن قيمة الصداقة، ولم يأخذ خطوة تعيد للمسؤولين العرب بعض كرامتهم التي أهدرت.

وكانت الصفعة الثانية أقوى من مسؤول أميركي آخر في خطاب واضح وجلي أن ترامب وإدارته يقفان مع "إسرائيل" كليا وبدون تردد، وأنها معه الآن وفي كل الأوقات، وكرر ما يردده الصهاينة أنها البلد المسالم المتحضر والديمقراطي الذي تحيط به الأخطار من كل جانب، ومع أن الكل في جيبه والكل أعلن في قمة غضبه أنه مسالم ولا يريد إلا الأقصى ولا مانع أيضا من تدويله، أي أن الجميع لم يتركوا لباسا يتغطون به إلا أن سيد العالم لا يريد العرب إلا عبيدا للكيان الذي زرعوه في بلاد العرب، يتعمد إذلالنا ونحن نركض للتمسح بأذياله ونطلب منه العون والمغفرة!

ردود فعل الشارع لن تفعل شيئا، بل إنها في معظم مظاهرات العواصم العربية ضعيفة وهزيلة، لكن الفعل الأمثل يمكن أن يأتي من الشعب العربي، برفض أي شيء وأي بضاعة من الولايات المتحدة ومن وليدتها القبيحة، وأن يبدأ ضغطا شعبيا على الحكومات العربية كلها للانسحاب من أي علاقة تجارية أو عسكرية أو سياسية مع الولايات المتحدة وحلفائها.

الرد الحقيقي يجب أن تأتي به الشعوب، فكفانا مهانة وذلا، وكفانا سلبية تجاه قضايا أمتنا، حكوماتنا تعمل ما تشاء إذا لم تجد صوتا يوقفها عند حدها، وعلى كل المنظمات الشعبية والجمعيات والأندية أن تتنادى وتنظم حملات وبرامج شعبية لإيقاف هذه المهازل.