بعد الكتاب الأول للكاتب الشاب فيصل الحبيني (كائن يمرح في العدم)، كتبت مقالا ذكرت فيه أن هذا الشاب هو رهاني على كاتب ستكون له مساحة من السرد تميِّزه عن سواه من كُتاب جيله. وحين أنهيت مجموعته القصصية الأولى، والتي صدرت هذا العام، كان رهاني في محله. فيصل الحبيني كاتب ذو جلادة لا يمتلكها الكثير من كُتابنا في الكويت، سواء من جيله أو ممن سبقوه. هناك حرص على النص، وحرفية الكتابة، وجرأة في المفردة دون تعمُّد ابتذال. لافت حفاظه على طاقته في الحكي دون كلل أو وهن من بداية المجموعة حتى نهايتها.

لن أدعي أن جميع قصص مجموعة الحبيني (أبناء الأزمنة الأخيرة) تحمل ذات النفس السردي الذي حافظ عليه، والذي اعتمد سردا متصلا على لسان الراوي لا يتخلله تداخل رواة آخرين أو حوارات بإمكانها أن تخلق جوا قصصيا يحد من توالي السارد الأوحد في الإمساك بناصية الأحداث. لكن، وهو حال أغلب المجاميع القصصية، تتفوق قصص بعينها على غيرها، سواء من ناحية الفكرة أو سلاسة السرد، وتمكن الكاتب من حبكته حتى الجملة الأخيرة التي ينهي بها القصة. وربما لذائقة القارئ الدور الأكبر في هذا التمييز.

Ad

في قصة "تعرف أمي الطريق جيدا" يطرق الحبيني فكرة خلابة وهو يعيد والده للحياة، ليستعيد معه كل ما لم يتمكن الوالد من معايشته في فترة غيابه. ما يسميه الابن موتا يسميه الأب رحيلا، ورحيل الأب هو موته. يصر الابن على سرد تفاصيل حياة الأسرة التي تمارس الحياة في غياب الأب وشقاء الأم والأخ الأكبر الذي تولى عن والده مهمة الأب، وهو يكاد يصرخ في وجه الأب ويثور غضبا لرحيله الذي أفقدهم الكثير من التفاصيل المغايرة للتفاصيل التي يحكيها له الآن. وينهي السارد حكايته بحوار قصير مع شقيقه، الذي يفاجئه بأن والدهما هنا. ينهي الحبيني قصته، ليضطرك إلى أن تعيد قراءتها مرة أخرى. هذه القصة هي الأكثر إبهارا وحبكة في المجموعة.

سنُخرج قليلا من القصص خارج السياق العام للفكرة الغالبة على المجموعة، وسنبقي الأغلبية من القصص التي تناولت العلاقة الحادة والشائكة بين الأبناء والآباء، وربما ذلك سبب تسمية المجموعة وحملها عنوانا عاما ليس لأحد قصصها.

في أغلب القصص والقصة الأخيرة بالذات "نسترجع أحلامنا في تسكعاتنا الأخيرة" تبدو علاقة الأب بالابن هي محاولة الدخول إلى ذاكرته. تلك غالبا رغبة كل جيل في معرفة ما كان عليه الجيل الذي سبقه، بعيدا عن الصور المثالية التي يرغب الآباء بأن يكونوا عليها أمام أبنائهم. كان غياب الوعي هو السبيل الوحيد لمعرفة الصورة الحقيقية لأيام الأب التي لا يحدّث أبناءه عنها. وهي القصة الثانية التي جاءت محكمة السرد ممتعة وهي تخلط النوستالجيا البدوية للأب بالحاضرة التي يعيشها الابن ويقرر التخلص منها ببيع البيت ومغادرة البلاد.

أهمية تجربة الحبيني أنها مغايرة عن النماذج القصصية الكويتية السابقة، ليس موضوعاتيا فحسب، لكن سرديا أيضا. الحبيني أفاد كثيرا من التجارب الغربية في السرد القصصي، وهو قارئ جيد للآداب الأجنبية، وأتوقع منه عملا مهما في السنوات المقبلة.