قمة الكويت جاءت من الأهمية في توقيتها ومكان انعقادها وجهود أميرها لتسجل إحدى محطات التاريخ في منطقتنا الخليجية التي باتت ملتهبة إلى حد كبير، وعرضة لأكثر من سيناريو بما في ذلك احتمالات التصعيد العسكري ناهيك عن استمرار منظومة مجلس التعاون نفسها.

الأزمة الخليجية بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى ما زالت ترشح بالمزيد من الخلافات وآخذة في التباعد لا التقارب ومؤشرات ذلك واضحة ومنها مستوى التمثيل في القمة الأخيرة، ومع هذا التنافر الخليجي والتآكل في بنية مجلس التعاون سوف تتبلور ملامح جديدة من التحالفات والارتباطات الإقليمية والدولية التي من شأنها إعادة رسم هذا الإقليم سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً، ولا ينتهي الأمر إلا بتدويل الخليج وانشطاره بين أفكار وأيديولوجيات وسياسات ومصالح متضاربة قائمة على أرضية هشة وقابلة للانفجار في أي لحظة، وببساطة فإن المنطقة سوف تنتهي في حال تفاقم الأزمة إلى وجود الأضداد الإقليميين مثل إيران وتركيا وإسرائيل، والدوليين مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين على أراضيها وفي عمقها الاستراتيجي، وعندها يختزل مفهوم الحرب الباردة التي قسمت العالم إلى معسكرين يحبس كل منهما أنفاسه على مدى نصف قرن من الزمان.

Ad

أفضل سيناريوهات هذا المشهد يتمثل باستنزاف أموال المنطقة أكثر وأكثر في أتون العسكرة والإنفاق على السلاح وبناء القواعد العسكرية وكلفتها الباهظة، وذلك على حساب التنمية والازدهار والمستقبل الواعد لشعوب هذه المنطقة.

هذا المشهد وما يحمله من احتمالات الضبابية السوداء والرعب بالتأكيد كانا في عقل وقلب ووجدان سمو الشيخ صباح الأحمد عندما بادر فوراً لاحتواء الأزمة الخليجية في يونيو الماضي، وبذل الكثير لامتصاص أي خروقات لا تحمد عقباها وصولاً إلى حرصه الشديد على احتضان القمة كصمام أمان ونقطة التقاء لمراجعة الموقف الجماعي وتدارس الحلول الأخوية بشأنه.

جهد الأمير وخلاصة تجربته الدبلوماسية ونظرته المستقبلية الثاقبة وحرصه حتى اللحظة الأخيرة على التئام البيت الخليجي انصبت في إنقاذ هذه المنظومة من الغرق والنأي بدولها وشعوبها عن الاستقطابات الإقليمية والعالمية، والاهتمام بالشأن الداخلي الذي يعاني بدوره تحديات ومصاعب جمة، وهو بذلك أعذر وأنذر وتحول إلى شاهد على العصر، ونصائحه وتحذيراته تم توثيقها في سجل المسؤولية الإنسانية.

هذا هو الهدف الحقيقي لقمة الكويت والإصرار عليها، وقد نجحت القمة في هذا الشأن بامتياز رغم مستوى المشاركة، وكان الشيخ صباح الأحمد في نظر شعبه والضمائر المحبة للسلام هو القمة في الحكمة والعقل والبصيرة، لذا نردد بواقعية واعتزاز "كفيت ووفيت يا بو ناصر، وزدت تألقاً ورفعت من جديد من قيمة بلدك وشعبك، فلك كل المحبة والتقدير وجعلت ذخراً وسنداً!".