قبل سنوات توصلت الدول الكبرى إلى أن إرسال جنود للقتال في بلاد أجنبية تحت أي مسمى لم يعد مقبولا لدى شعوبها، خصوصا بعد الخسائر البشرية الفادحة التي منيت بها الولايات المتحدة الأميركية في فيتنام وسقوط الاتحاد السوفياتي بعدها، وكان لا بد من وسائل أقل خسارة لاستمرار بسط النفوذ والسيطرة على الموارد الطبيعية والمواقع الاستراتيجية، فرأينا دخول جيوش المرتزقة، وقد تأسست لها شركات عالمية تشن حروبا قصيرة بالوكالة عن الدولة التي تدفع تكاليفها، وقد استمرت هذه الشركات تقوم بالأعمال القذرة حتى يومنا هذا، لكن وجدوا أن هذه الشركات مكلفة وينجم عنها في النهاية في حسابات الحكومات بنود باهظة لأعمال قذرة؛ فتفتقت الأذهان إلى وسائل أفضل لا يخسرون فيها أرواح أبنائهم، ويحققون كل أغراضهم دون أن يطلقوا رصاصة واحدة.

كان سلاحهم الجديد وما زال موجودا تحت أعينهم رابضا تحت الجمر ينتظر من يرفعه من تحت الرماد ويشعله، وكانت النتائج باهرة.

Ad

وجدوا أن الهوس الديني لدى فرق متضادة في بلاد الشرق الأوسط يمكن أن يدمر كل بلاد المسلمين لو نفذت توصيات ودراسات سابقة قام بها الإنكليز قبل فترة، ثم قام بها الصهاينة لاستثمار الهوس الديني واستخدامه في تحقيق كل ما تسعى إليه القوى الطامعة في الشرق الأوسط، فالصهيونية تريد أن يزيد الانقسام بين دول الشرق الأوسط لتبقى هي الدولة الأقدر، والدول العظمى تريد دعم الصهيونية من جهة وتحقيق السيطرة على خيرات دوله من جهة أخرى.

الهوس الديني لدى فرق سنية وشيعية لم يكن يحتاج إلا إلى إشارة، فظهرت "القاعدة" ومنها جاءت "النصرة"، ثم تأسس "داعش"، وكان هدفها الأساسي حسب الأجندة الموضوعة إثارة الشيعة، فوجد الهوس الديني لدى فرق من الشيعة أعدت أيضا مسبقا لمثل هذا الوضع، فدخلت هذه الفرق لمواجهة التطرف السني، وما حدث فاق كل أحلام الدول الكبرى وأحلام الكيان الصهيوني القابع على أرض فلسطين، فدُمر العراق وسورية وتشتت ملايين من شعبيهما بحرب مجرمة يظن المشاركون فيها أنهم يدافعون عن الإسلام وهم يدمرن كل شيء في بلادهم، وقامت على إثرها الدول المجاورة بدعم فرقة أو أكثر وساهمت بالمال والسلاح في تدمير بلاد مسلمة وتشتيت شعبها.

لم يكن أكثر منظري الفتنة يتوقع كل هذا النجاح، ولأول مرة يكسبون من الحرب، فالكل يشتري السلاح منهم لضرب الفريق الآخر، وهم يقدمونه وبأغلى الأسعار بكل ترحاب، وفي النهاية بعد أن يتضعضع الجميع ستؤول كل المكاسب للدول الكبرى، وسيحرم كل المؤيدين العرب والفرس والأتراك من أي مكسب في هذه الحرب المدمرة، وسيكتشفون أنهم كانوا ضمن اللعبة كما خططت لأدوارهم، وأن الدول الكبرى لم تفكر لحظة واحدة في إشراك أحد في مكاسبها.

ورغم وضوح اللعبة فإننا ما زلنا على عمانا وما زلنا نتربص لبعضنا، وما زال الهوس الديني هو المسيطر على مجتمعاتنا، لا يريد أحد أن يترك الحكم في تدين الفرد لله ولا أن يطيع قرآنه، فالمهووسون هم المسيطرون على العقول ولن ننجو مما يخطط لنا إلا بالعودة لعقولنا، وترك ما لله لله، والتركيز على البناء والتحرص من خطوات المهووسين والشيطان الذي يقودهم.