في حين تنظم أغلب التشريعات المقارنة لنظام الالتماس إعادة النظر للأحكام الجزائية ضمانة لعدم وقوع بعض الأحكام القضائية في أخطاء من شأنها أن تزج بعدد من المحكومين في القضايا الجزائية إلى الحبس، يخلو القانون الكويتي من تقرير حق الطعن بوسيلة الالتماس بإعادة النظر في القضايا الجزائية ويقرر تنظيمه فقط في القضايا المدنية.

وبينما يرتب هذا الفراغ التشريعي أضراراً على المحكومين في القضايا الجزائية في العديد من القضايا، التي تظهر لاحقاً أدلة فيها للمحكومين في القضايا الجزائية من شأنها أن تظهر براءتهم فإن المحاكم لا تتمكن من نظر تلك الأدلة أو حتى إصدار قرار بتخفيف الأحكام على من أدينوا خطأ وظهرت أدلة براءتهم لاحقاً.

Ad

يقول أستاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فيصل الكندري، إن محكمة التمييز أكدت أخيراً أن أحكامها نهائية، ولا سبيل إلى الطعن فيها، ويحسم بصدورها أمر الدعوى الجزائية بما لا يجوز معاودة الطعن فيها مرة أخرى، ولأي علة أو سبب، بالتالي، فإن طلب الالتماس المقدم من الـ25 مداناً في قضية «خلية العبدلي» يتعين عدم قبوله.

وأكدت أنه «لا يساغ القول، إن قانون المرافعات المدنية والتجارية قد أورد في الفصل الثالث من الباب التاسع التماس إعادة النظر كطريق من طرق الطعن في الأحكام الجزائية، وأنه يرجع إليه بحسبانه القانون الإجرائي العام لسد أي نقص في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، ولا يتسع إلى إنشاء طريق طعن لا تعرفه التشريعات الجزائية».

لذلك أصبح اليوم تدخل المشرع واجب لاستحداث طريق غير عادي للطعن غاب عنه تنظيمه عند وضع قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، وهو التماس إعادة النظر في الأحكام الجزائية.

ويضيف الكندري قائلا: «إننا نقترح أن يكون القانون على النحو التالي بعد إضافته على قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية على النحو التالي:

مادة 213 مكرر

يجوز طلب إعادة النظر في الأحكام النهائية والباتة الصادرة بالعقوبة في مواد الجنايات والجنح في الأحوال الآتية:

أ - إذا حكم على المتهم في جريمة قتل، ثم وجد المدعى قتله حياً.

ب - إذا صدر حكم على شخص من أجل واقعه، ثم صدر حكم على شخص آخر من اجل الواقعة عينها، وكان بين الحكمين تناقص بحيث يستنتج منه براءة أحد المحكوم عليهما.

ج - إذا حكم على أحد الشهود أو الخبراء بالعقوبة لشهادة الزور، أو حكم بتزوير ورقة قدمت أثناء نظر الدعوى، وكان للشهادة أو تقرير الخبير أو الورقة تأثير في الحكم.

د - إذا كان الحكم مبيناً على حكم صادر من محكمة مدنية أو إدارية أو من إحدى محاكم الأحوال الشخصية وألغى هذا الحكم.

هـ- إذا كان منطوق الحكم متناقضاً مع بعضه بعضاً.

و - إذا حدث أو ظهر بعد الحكم وقائع أو إذا قدمت أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة، وكان من شأن هذه الوقائع أو الأوراق ثبوت براءة المحكوم عليه.

مادة 213 مكرر 1

ميعاد الالتماس ثلاثون يوماً، ولا يبدأ في الحالات المنصوص عليها في الفقرات (أ-ب-ج-د-و) من المادة السابقة إلا من اليوم، الذي ظهر فيه المدعى قتله حياً أو الذي صدر فيه الحكمان النهائيان المتعارضان عن ذات الواقعة أو الذي تم فيه الإقرار بالتزوير أو حكم بثبوته أو حكم فيه على شاهد الزور أو الذي ألغى فيه الحكم المدني أو الإداري أو الأحوال الشخصية، التي صدرت الإدانة على سند منه، أو الذي ظهرت فيه الورقة أو الواقعة الجديدة، التي يترتب عليها البراءة ويبدأ الميعاد في الحالة المنصوص عليها في الفقرة (هـ) من اليوم الذي يعلن فيه الحكم إلى المحكوم عليه أو من يمثله تمثيلاً صحيحاً.

مادة 213 مكرر 2

يكون حق تقديم طلب إعادة النظر لكل من النيابة العامة والمحكوم عليه أو من يمثله قانوناً إذا كان عديم الاهليه أو مفقوداً أو لأقاربه أو زوجه من بعد موته، وذلك طبقاً للإجراءات المعتادة في الطعن بالأحكام.

مادة 213 مكررا 3

تختص بالفصل في طلب إعادة نظر المحكمة التي أصدرت الحكم، ويجب أن تنظر الطلب خلال الأشهر الثلاثة التالية لتقديمه.

مادة 213 مكررا 4

لا يترتب على طلب إعادة النظر إيقاف تنفيذ الحكم إلا إذا كان صادراً بالإعدام.

مادة 213 مكررا 5

كل حكم صادر بالبراءة بناء على إعادة النظر يجب نشره على نفقة الحكومة في الجريدة الرسمية، بناء على طلب النيابة العامة، وفي جريدتين يعينهما صاحب الشأن.

مادة 213 مكررا 6

يترتب على إلغاء الحكم المطعون فيه سقوط الحكم بالتعويضات، ووجوب رد ما نفد به منها بدون إخلال بقواعد سقوط الحق بمضي المدة.

مادة 213 مكررا 7

الأحكام التي تصدر في موضوع الدعوى بناء على طلب إعادة النظر من غير محكمة التمييز يجوز الطعن فيها بجميع الطرق المقررة في القانون، ولا يجوز أن يقضى على المتهم بأشد من العقوبة السابق الحكم بها عليه.

أرواح الناس

بدوره، قال المحامي د. محمد المطيري إن طريق التماس إعادة النظر مقرر للتعامل مع حالات محددة تستجد فيها ظروف بعد الحكم النهائي معنية بعرض وقائع وحقائق على القضاء لم يسبق له الوقوف عليها، من شأنها تغيير وجه الرأي في الدعوى، لافتا الى أنه اذا كان المشرع حرص على النص على توفير آلية التماس إعادة النظر في المسائل المدنية والتجارية فإن أرواح وحريات البشر اكثر أهمية من اموالهم.

واضاف المطيري: «ارى إمكانية اضافة أسباب التماس إعادة النظر الى أسباب الطعن بالتمييز اختصارا للوقت وتمكينا للخصوم من عرضها على التمييز كمحكمة موضوع، بالاضافة الى أسباب الطعن بالتمييز المعروفة».

ويكون تمييز الحكم وجوبيا في حالة تحقق سبب من أسباب الالتماس، فتنقلب محكمة التمييز الى محكمة موضوع، وتبحث أسباب الالتماس اختصارا للوقت والجهد.

أحكام نافذة

مـــن جانبـــــه، ذكــــــر المــحـــــامــي د. نواف الياسين أنه كما هو معلوم أن درجات التقاضي في النظام القانوني الكويتي على درجتين (أول درجة واستئناف)، وأن أحكام الجنايات تكون بطبيعتها نافذة دون حاجة لنص الحكم على ذلك... والأحكام الصادرة من قضاء الاستئناف هي أحكام نهائية واجبة التنفيذ، لكن يقبل الطعن عليها أمام قضاء التمييز في حالات قانونية محددة، حيث إن قضاء التمييز يعتبر وسيلة استثنائية للطعن، ويكون الحكم الصادر منه باتا ولا يقبل أي وجه من أوجه الطعن.

وأفاد الياسين بأن التجارب الواقعية أثبتت أن هناك حاجة حقيقية لإيجاد وسيلة قانونية إضافية يمكن من خلالها اللجوء للسلطة القضائية لتعديل أحكامها فيما يتعلق بالقضايا الجنائية، أسوة بما هو معمول به في القضاء المدني، خاصة أن الحاجة تكون أكبر لذلك في القضاء الجنائي، بسبب خطورة الاتهام ومن ثم العقوبة التي قد يحكم بها على الافراد.

وقائع جديدة

ولفت د. الياسين الى ان الواقع العملي يشير إلى إمكانية ظهور وقائع جديدة قد تغير وجه النظر في الدعوى، سواء بعد صدور حكم جنائي نهائي او بات، وهنا تبرز أهمية إيجاد طريق قانوني استثنائي يتيح للأفراد عرض الوقائع الجديدة أمام القضاء ليتم تحقيق مفهوم العدالة بشكل أكبر.

واضاف انه تجدر الإشارة إلى أن شبهة التسويف أو إطالة أمد التقاضي لا تثار في هذه الحالة، «لأن الأصل كما أسلفنا أن أحكام الجنايات نهائية، وأن اللجوء الى طريق الالتماس من حيث المبدأ لن يعطل تنفيذها وما قد يترتب عليها من دعاوى تعويض للمجني عليهم».

وتابع: «بناء عليه فإنني من الداعمين بشكل كبير لإيجاد هذه الطريقة الاستثنائية لإعادة النظر في الأحكام الجنائية النهائية، لكن بشروط مشددة، ضمانا لعدم هدر وقت القضاء بدعاوى غير جدية».

خطأ قضائي

من جهته، أكد استاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فايز الظفيري أهمية اقرار المشرع الكويتي أحكام التماس اعادة النظر في المسائل الجزائية، نظرا لأهميتها على المتهمين في الاحكام الجزائية.

وأضاف الظفيري: «نظام التماس اعادة النظر يعد حقيقة المنفذ الأخير لتصحيح الأخطاء التي قد ترتكب من قبل الأجهزة المنوط بها تحقيق العدالة، ويجب ألا نخشى من تبنيه، إذ إن حالات التماس إعادة النظر المقررة محددة بشكل دقيق، وليس من شأنها أن تؤدي -في حالة تبنيه- إلى إحداث اضطراب في الأحكام الجزائية أو التأثير على قوة الأمر المقضي لها بشكل يفقد الثقة بها، إذ إن التماس إعادة النظر مقرر في أغلب التشريعات الجزائية، واستخدامه مقرر لمصلحة المحكوم عليه، ولم يؤد تبنيه إلى إحداث أي اضطراب في احكام هذه الدول».

حقوق وضمانات

واردف الظفيري: «نرى في هذا الوقت من التقدم في التشريعات الجزائية، وإقرار حقوق وضمانات موسعة للأفراد، ضرورة أن يتبنى المشرع الكويتي التماس إعادة النظر، من خلال تبني قواعد قانونية مأخوذة من التشريعات الخليجية والعربية ودمج أفضلها، حتى يخرج لدينا قانون متكامل في هذا الشأن، متفادين النقد الذي قد يوجه إلى ذلك التشريع أو غيره، كالأخذ من التشريع المصري والعماني اللذين جاءا بأفضل شكل».

واوضح ان «التماس إعادة النظر أصبح حاليا حقا من حقوق المحكوم عليه، ومن شأن تبنيه تعزيز الثقة بالأحكام الجزائية، وإزالة هاجس الإدانة بسبب خطأ قضائي لا يمكن إصلاحه، ولا شك أننا أمام أدلة على توسع تبنيه نتيجة هذه الأهمية في التشريعات الجزائية المقارنة».

واستدرك: «من خلال هذه الأهمية فإننا نوصي المشرع الكويتي بضرورة تبني التماس إعادة النظر في نطاق الأحكام الجزائية، من أجل إكمال النقص في طرق الطعن المقررة في التشريع الكويتي، من خلال النظر في قوانين التماس إعادة النظر المقررة في التشريعات الجزائية في القانون المقارن وتبني أفضلها».

الدول المطبقة لنظام الالتماس

من الدول المطبقة لنظام التماس اعادة النظر في القضايا الجزائية بما يسمح بمحاكمة المتهمين مجدداً إذا ظهرت في المستقبل أدلة على براءتهم، الولايات المتحدة، وبريطانيا، وعدد من دول أوروبا منها فرنسا، ومن الدول العربية: عُمان، وليبيا، والأردن، ولبنان، وسورية، والسعودية، ومصر.