المفترض ألاّ يكون مستغرباً انفجار هذا الصراع الدامي بين الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والحوثيين، فقبل تحالفهما، الذي هو تبادل مصالح آنية، كان بينهما ما صنع الحداد، كما يقال، وكانا قد خاضا ضد بعضهما بعضاً 11 حرباً ضروساً، أسفرت عن خسائر كبيرة بين الطرفين.

وحقيقة إن كل طرف كان ينتظر تعزيز مواقعه ليبطش بالآخر كي يستفرد بالحكم، وعلى غرار ما بقي يحدث في اليمن السعيد منذ سنوات بعيدة تعود إلى ستينيات القرن الماضي.

Ad

والمؤكد أن علي صالح ارتكب خطأ فادحاً عندما ارتد على شركائه في الحكم، وتحالف مع مجموعة كانت قد ألحقت المذهب الزيدي المتسامح الجميل بالحلف الإيراني الذي كان رموزه الكبار أعلنوا مراراً وتكراراً أن "إيرانهم" هذه باتت تسيطر على أربع عواصم عربية هي: بغداد دمشق وبيروت وصنعاء، وأنها حققت هدفها الاستراتيجي بأن أصبح لها ممر بري يربطها بشواطئ البحر المتوسط الشرقية.

وبهذا فقد ثبت أن حسابات صالح، الذي كان يعتبر مناوراً بارعاً، لم تكن دقيقة ولا صحيحة عندما وضع نفسه وحزبه (المؤتمر الشعبي العام)، في معادلة سياسية وعسكرية كان واضحاً منذ البدايات أنها لن تكون في مصلحته إطلاقاً، فالحوثيون مجموعة متماسكة خاضت تجارب كثيرة، والأخطر أنها أصبحت جزءاً من تحالف متماسك وقوي عسكرياً وسياسياً تقوده إيران، ويشكل فيه حزب الله اللبناني قوة رئيسة، ويدعمه المذهبيون والطائفيون في هذه المنطقة، التي غدت - مع الأسف - تغرق في التمحورات الطائفية حتى عنقها.

وقد شكلت "انتفاضة صنعاء" التي تحولت أمس الأول إلى ثورة شعبية فعلية لا ضد الحوثيين فقط، بل ضد إيران بالدرجة الأولى التي كان بعض العرب قد حذّروا في وقت مبكر جداً من أنها تسعى إلى إقامة "هلالها" الفارسي الذي أعطته اسماً مذهبياً مثيراً، والواضح أنها نجحت في تحقيق جزء من هذا الهدف، والدليل أنها باتت تضع أقدامها على الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط، سواء في بيروت أو في اللاذقية، وأيضاً في طرطوس وبانياس.

ولا يمكن إلا المراهنة على "انتفاضة صنعاء" لكسر هذا الهلال الفارسي الذي استكملت إيران الجزء الأكبر منه، لكن حتى يتحقق هذا، فإن المفترض ألا يبقى العرب الذين أصبحت أقدامهم في "الفلقة الإيرانية" متفرجين ومصفقين، فهذا صراع جدي واستراتيجي، وأيضاً تاريخي، لذلك فعلى من يعتقد أن بإمكانه النأي بنفسه بعيداً عن هذا الصراع أن يعيد قراءة تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين التي أطلقوها، سواء في ثمانينيات القرن الماضي أو في السنوات الأخيرة، حيث باتوا لا يتورعون عن قولهم إنهم غدوا يسيطرون على 4 عواصم عربية!