كل الحريات المشروعة متاحة في الكويت، حيث يمكن لكل كويتي إنشاء صحيفة يومية أو أسبوعية، ورقية أو إلكترونية، والكتابة وحرية التعبير مكفولتان بكل وسائل الاتصال التقليدية والحديثة، فلا توجد رقابة مسبقة على أي كاتب أو قلم، ولا تملك الحكومة حق العقوبة أو الإيقاف إلا باللجوء إلى القضاء. وبالإضافة إلى ذلك فقد حكمت المحكمة الدستورية بحق الاجتماعات العامة في الدواوين والمسارح والصالات والأندية دون إلحاجة إلى ترخيص مسبق، وكذلك حكمت بجواز المسيرات والتجمعات في الميادين العامة ولكن بترخيص من السلطة المختصة.

وها نحن نشاهد يومياً ندوات واجتماعات في الدواوين والجامعات وسائر المنتديات، كما نسمع ونقرأ نقدا لاذعا وقويا للقوانين والمراسيم والمظاهر المعلنة والآراء المختلفة وسياسات الدول القريبة والبعيدة، وحتى للوزراء والشخصيات العامة دون أن يشكل ذلك أي جريمة أو مخالفة، وذلك لأن المحظورات في القانون قليلة جدا مثل المسيرات غير المرخصة والتعدي على الذات الإلهية والأنبياء والصحابة والذات الأميرية، وكذلك السب والاعتداء على كرامات الناس وحرياتهم الشخصية أو الدعوة إلى الفجور والفاحشة، وهذه كلها مرجعها والحكم فيها إلى القضاء لا الحكومة ولا الأفراد الذين يقتصر دورهم على تقديم البلاغ للنيابة العامة إذا رأوْا أن ما يمارس أو ينشر يشكل جريمة.

Ad

وقد حدث اتفاق وتناقض بين بعض الإسلاميين والليبراليين في حدود الحريات، فالإسلاميون هم الذين تقدموا بالقوانين التي تجرم الاعتداء على الرموز الدينية، وسعوا إلى طرد بعض الوافدين الذين أساؤوا إلى هذه الرموز، وهم الذين قدموا في مجلس 1996 استجوابا بسبب السماح ببعض الكتب الماجنة، في حين اعترض الليبراليون على منع بعض الكتب في معرض الكتاب بحجة حرية الرأي، وأن هذه الكتب موجودة في وسائل الاتصال الحديثة، وهذا تناقض واضح بين الموقفين، ولكن المستغرب أن يتفق كلا الطرفين في الدفاع عما يكتب أحيانا في وسائل الاتصال رغم أنه يشكل جريمة حكم فيها القضاء حسب القوانين والقواعد السابقة، والكل يعلم أن القضاء لا يدين إلا بيقين بعد ثبوت الأدلة.

وعلى سبيل المثال يجرم قانون الجزاء السب العلني، أي التلفظ بالسب أو الشتيمة أمام جمع من الناس، ولو كان هذا الجمع يسيرا، فهل يجوز أن نعتبر السب في وسائل الاتصال الذي يسمعه ويقرؤه آلاف الناس حرية رأي؟

إن الشريعة الإسلامية حرمت الكذب والسباب والإشاعة والإساءة إلى الناس ولو بكلمة، وقد جاء في الحديث "رب كلمة يتلفظ بها الإنسان لا يلقي لها بالاً تلقيه في النار سبعين خريفا".

وهناك آلاف الأحاديث التي تنهى عن آفات اللسان التي انتشرت للأسف بين كثير من الشباب الْيَوْمَ وهي آفة خطيرة تهدد تماسك المجتمع ووحدته.

واليوم يعاني كثير من الشباب بسبب أخطاء ارتكبوها ظناً منهم أنها ممارسة مشروعة للحريات، ثم تبين أنهم وقعوا ضحية تحريض وجهل بالقانون والشريعة.

إذاً فالمطلوب اليوم من الجماعات السياسية وقادة الرأي تثقيف الشباب ودعوتهم على اختلاف توجهاتهم إلى الأساليب المشروعة في ممارسة الحريات، والمقبولة قانونا، والتي تؤدي إلى تحصيل المصالح وتكميلها دون الوقوع في المحظورات، وتوجيههم إلى النقد الهادف دون سباب أو تحقير أو إساءة، علما أن اللغة العربية مليئة بالمفردات والألفاظ التي توصل إلى الهدف وتؤدي الغرض دون الوقوع في أي مخالفة شرعية أو قانونية.