الأحكام القضائية الأخيرة في قضية دخول مجلس الأمة قد تفتح العديد من الأبواب في المشهد السياسي الكويتي من جديد، بعد فترة من الهدوء النسبي، خصوصا بعد أن فرضت الحكومة منهجها وقراراتها كأمر واقع وتعاطت معها معظم التيارات وعموم الشعب، والمشاركة في العملية السياسية وفق النظام الانتخابي الحالي، في مقابل تشتت المعارضة القوية والواسعة التي تشكلت نيابياً وشعبياً بعد فضيحة الإيداعات والتحويلات المليونية عام 2011.

منذ بداية الحراك الشعبي عامي 2011/ 2012 ومبرراته كردة فعل على حالة الفساد الواسع في أهم مؤسسات الدولة، كانت لدينا ملاحظات عدة على بعض الممارسات وبعض مضامين الخطاب السياسي، وحتى عدد من رموز هذا الحراك، التي غيرت بعض مسارات الصحوة السياسية وانحرافها عن القضايا الوطنية الجامعة.

Ad

حادثة دخول مجلس الأمة كانت أيضاً من القرارات التي انتقدنا أسلوبها وتوقيتها، وقد تمت إحالتها إلى أروقة القضاء، إلا أن الأحكام القضائية بحقها جاءت قاسية وذات تبعات سياسية عديدة، خصوصاً أنها شملت عدداً من أعضاء مجلس الأمة السابقين والحاليين ومجاميع كبيرة من شباب الحراك الذي يمثل مختلف ألوان الطيف الكويتي، في سابقة من حيث الأحكام الشديدة والعدد الكبير من المدانين في هذه القضية.

الأحكام القضائية جاءت متناقضة أيضاً بين درجات المحاكم ومن البراءة إلى الإدانة لسنوات طويلة، كما تزامنت مع كلمات صاحب السمو الأمير في افتتاح مجلس الأمة ودعوة سموه إلى التلاحم الداخلي والحرص على الاستقرار السياسي والهدوء، خصوصا في ظل تداعيات الأزمة الخليجية وتطوراتها السريعة واحتمالاتها المقلقة التي جاءت أيضاً بعبارات واضحة وصريحة من سموه أيضاً.

كما كانت الأحكام القضائية مثارا لجولة جديدة من التراشق الحاد، وصولاً إلى حالة من التشفي بين الكويتيين، واستمراراً للنفس الطائفي والفئوي الذي واكب تسلسل صدور أحكام قضائية سابقة، سواءً على خلفية تغريدات أو مواقف سياسية فردية، أو ذات صبغة جماعية ذات ارتدادات مجتمعية مثل قضية خلية العبدلي وقبلها خلايا "داعش"، وعلى الرغم من التفاوت في طبيعة القضايا والمتهمين فيها والأحكام الصادرة بشأنها تبقى نتيجة ردود الأفعال واحدة، وهي صب المزيد من الزيت على نار الاحتقان الداخلي، بالإضافة إلى حقيقة درامية أخرى هي أن مصير عدد من السنّة والشيعة والإسلاميين والليبراليين والحضر وأبناء القبائل قد انتهى خلف قضبان السجن المركزي، في حين تستمر طبول التحريض والتشفي والتخوين والسباب والتعميم بين مكونات المجتمع الكويتي الصغير، الأمر الذي لم ولن تتحقق معه أي بوادر للاستقرار السياسي أو لملمة النسيج الوطني المجتمعي في وقت قريب.

المستفيد الأول والأخير من هذا المشهد هو شبكة الفساد والمفسدين، فلا أحد من كبار المسؤولين عن الفساد تمت محاسبته ولا أحد من أبطال الإيداعات والتحويلات الخارجية تمت إدانته، وما زالت "قرعة" الهدر وضياع المليارات ومؤشرات التخلف "ترعى" في مستنقع الركود السياسي!