كمن يقول إن هناك يوما لتنفس الهواء، وهناك يوما للاحتفال بشروق الشمس وبداية يوم جديد، أقف أحياناً متأملاً أمام دلالة الأيام التي اتُفِقَ عليها للاحتفال بحدث ما، ومن بينها يوم 25 نوفمبر من كل عام، بوصفه "اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة"، فالمرأة موجودة على امتداد اللحظة الإنسانية منذ بدء البشرية وستبقى، ولا أكادني أكون مبالغاً إذا أشرت إلى أن العنف ضد المرأة، وبمختلف أشكاله، يساير خطوها، وتضطر مجبرة لعيشه المر والتعايش معه.

المرأة في كل مكان، وليس في وطننا العربي، تتعرض للعنف منذ صغرها. صحيح أن درجة العنف تتفاوت من لفظ قاسٍ إلى كف شريرة، لكنه العنف والزجر والألم. أقول ذلك ربما لأنني تأثرت بشخصية أمي كثيراً، وربما لأن الله رزقني ببنات فقط، وربما لأني أرى في المرأة شجرة الحياة؛ بخضرتها وثمرها وظلها ومقاومتها، أو ربما لأنني أدركت أن حياة الرجل السعيد؛ "سقف وامرأة".

Ad

بنظري، العنف ضد المرأة يأتي أساساً من أن العالم يعيش عصراً رجولياً. بمعنى أن الرجل، وفي كل المجتمعات، هو في الغالب الأعم، مَن يسطّر قوانين المجتمع، وبالتالي يكتبها لمصلحة وجوده الرجولي. وهكذا، تولد المرأة في مجتمع رجولي، وتضطر إلى عيش معاناتها منذ ولادتها حتى مماتها.

ليس من مساواة بين الرجل والمرأة في أي مجتمع من المجتمعات، ولن تكون. وقد عاش العالم حلم الأميركيين، بأن تكون هيلاري كلينتون أول امرأة تصل إلى رئاسة أميركا. صحيح أن المرأة في مجتمعات كثيرة، بما في ذلك المجتمعات العربية والإسلامية، بلغت مناصب عليا، وقطعت شوطاً في نيل جزء من حقوقها، لكني أتكلم عن المعاملة، عن نظرة المجتمع للطفلة والفتاة والمرأة. أتكلم حين يكون الأب رجل سلطة، ونظرة أفراد الأسرة له، وحين تكون المرأة هي امرأة سلطة. أتكلم عن بيت الرجل فيه تاجر كبير، أو مسؤول كبير، أو وزير، كيف ينظر أفراد الأسرة لهذا الرجل المهم، وكيف يتعاملون معه؟! المنصب الكبير قد يضيف قيمة إلى صاحبه في محيطه الوظيفي والأسري والاجتماعي، لكن المنصب نفسه قد يضيف شيئاً للمرأة في محيط علاقات عملها، لكنها لحظة أن تطأ عتبة بيتها وعتبة عالمها الأسري تعود امرأة، وقد يتطاول عليها الأخ أو الزوج بكلمة نابية، أو حتى بصفعة، لا لشيء إلا لكونها امرأة.

الوقوف ضد العنف الموجَّه للمرأة، هو وقوف إلى جانب الحق والجمال والعطاء. الوقوف ضد العنف الموجَّه للمرأة، يبدأ في الأسرة، في الطفولة، في المراهقة، في الزواج، في الإنجاب، وفي حق المرأة أن تطلق اسماً على مولد حملته في رحمها ونبض قلبها لتسعة أشهر يصاحبها الوجع والألم. يأتي الرجل لا لشيء إلا لكونه الأب ويسمي المولود الجديد بما يريد، ضرباً بإرادة الأم، التي جاءت بذلك المولود إلى الحياة. هناك مَنْ سيقول إنها لم تأتِ به إلا من الرجل، وهذا صحيح، لكن شتان بين اهتزازة لحظة عابرة، وبين شقاء حمل لمدة تسعة أشهر، ولا يمكن لأي رجل أن يشعر به إلا بعد أن يعيش تجربة الحمل والولادة.

مرَّت عليَّ أربعة عقود وأنا أكتب القصة والرواية، لكني دائماً كنتُ أقف أمام شخصية رجل يرفع يده بصراخه البغيض ليهوي بها على وجه زوجته، وبعدها بساعة أو ساعات أو يوم يطلبها لفراش الزوجية. كيف يمكن لامرأة أن تغمض عن وجع أصاب روحها، ولا يزال مطبوعاً على خدها أو كتفها أو زندها؟ كيف لها أن تطيق إعطاء شيء من روحها لرجل ليس فيه من الرجولة إلا فحولة الثور؟! مع الاعتذار لفحولة الثور الغرائزية البعيدة عن الأذى!

كتبت كل ما كتبت إلى جانب المرأة، وسأبقى أكتب في قضاياها، وهل قضايا المرأة سوى قضايا الحياة الأهم والأحب؟