نشر الكاتب التونسي حسين الواد، روايةً بعنوان "سعادة السيد الوزير"، حفلت بأخبار وفضائح الوزراء التي فاحت روائحها العفنة هنا وهناك، لفرط بذاءتها ونذالتها، بعد أن كشف المؤلف الأسرار بالأدلة والأرقام لوزراء دخلوا الحكومة لا يملكون شروى نقير، وما هي إلا فترات حتى انتقلوا الى صفوف أصحاب الملايين والعقارات والأسهم.

المدهش في هذه الرواية أنك عند قراءتها لن تقف عند وزير بعينه، أو تحصر أحداثها في بلد محدد، أو تنسب تلك الواقعة لأي منطقة في الوطن العربي، ولكن تقودك أحداثها كلها إلى حالة الفساد المستشري في إدارة شؤون معظم الدول العربية!

Ad

صحيح أن المؤلف ينطلق من وقائع تونسية، من حيث التفاصيل التي تشير الى بن علي وبطانته وزوجته وأقاربها، ولكنك لا تستطيع وأنت تقرأ أن تكون بعيداً في تفكيرك عن مبارك والقذافي وعلي عبدالله صالح وغيرهم وغيرهم!

في الرواية هناك مقولة اقتبسها المؤلف لكارل ماركس: "إن رجال الدولة منذ تأسست الدولة أصحاب نفوس يجمح بها الطمع وتجنح بها غواية المناصب، وتدفعها عقدة التفوق إلى اختيار الشعب لاستعباده، إنها نفوس تبني قوتها ونفوذها-الموهومين-على أهواء عابرة تغذيها قيم سافلة منحطة، تتذرع بالأخلاق، متخذة من تعاليم السماء وسيلة لخداع أبناء وطنهم"!

وتصور الرواية الألعاب القذرة التي يلجأ إليها الوزير للحفاظ على نفسه، فيصطنع مسافة تحول بينه وبين أن يكون هدفاً للنقد، أو لكي لا يُكشف أمره ويظهر تورطه في ما يقوم به من تجاوزات تحت ستار "المصلحة العامة"، التي كثيراً ما يلجأ إليها كبار المسؤولين لتمرير جرائمهم!

في الرواية نجد أن الوزير كلما خطا خطوة في دهاليز السلطة ومجاهلها لينفذ مشروعاً فيها لا يمسك بخيوطه؛ غاصت رجلاه في وحل النذالة والخيانة، فيتخبط راقصاً كالبهلوان على حبال الدسائس والشبهات والشكوك، ليجد نفسه واقعاً تحت هيمنة قوة خفية تحوله هو نفسه إلى دمية تحركها يد كائن خفي، غائب، معلوم، حاضر، ومحتجب!

ولم يتورع السيد الوزير عندما يُقدَّم للاستجواب بسبب طفوح روائح مخازيه أن يقول لمن يستجوبونه:

• أنا إنسان نظيف..

- وهذه الأدلة؟!

• إنها لتصفية حسابات مع رئيس الحكومة، وما أنا غير كبش فداء!

- ولكنك قدمت تسهيلات ووقعت مناقصات للصوص وسراق للمال العام؟!

• كل ما كان في وزارتي يسير وفق القانون.

ويستمر النقاش لساعة متأخرة من الليل، ليشتمل على فضائح لا حصر لها ولا نهاية، فيطلب رئيس المجلس تأجيل الاستجواب إلى الجلسة المقبلة!

ولكن في صباح اليوم التالي يقدم الوزير استقالته من الحكومة لأسباب صحية..

• بهذا تكشف رواية "سعادة السيد الوزير" لعبة الفساد التي تساهم فيها الدولة، على حساب بناء الوطن والمواطن!

• أكرر هذه الرواية لكاتب تونسي، وناقل الرواية ليس براوٍ!

أرجو ألا يتبادر الى أذهان القراء أن ما ورد في مقالي اليوم يشير من قريب أو بعيد إلى أي شيء يدور في أذهانهم، إن ما قصدته أن أسلط الضوء على ما يجري في "زيمبابوي"!