الحالة التي يعيشها المحامي هذه الأيام لا تختلف كثيرا عن وضع الناخب الكويتي الذي «يتحلطم» من سوء مستوى النائب الذي قام بانتخابه، ثم سرعان ما يختفي ذلك الاستياء مع اقتراب الانتخابات، لتجده يختار ذات النائب، ليعيش دورة أخرى من «التحلطم» والاستياء، بسبب فشله في اختيار الأقدر والأكفأ من بين مَن أعلنوا ترشحهم للانتخابات!

وحال المحامين اليوم لم يتغيَّر، ولن يتبدَّل، لأمرين؛ الأول أن هناك قوى من بعض المحامين تتحكم في خيوط اللعبة الانتخابية، وتديرها، بتحديد أسماء المرشحين، ولا يمكن لأي مرشح عامل في القائمة أن يعلن رغبته في خوض الانتخابات، وإذا أراد تحقيق طموحه؛ فإما هو منشق من قائمة إلى أخرى، أو أن يقرر خوضها وحيدا، ليجد الهزيمة أمامه، وهو أمر لا محالة، لأن أغلبية الناخبين لا يرونه ناجحا ومصلحا، بل إنه متمرد على مجموعته!

Ad

الأمر الآخر يتمثل في المؤامرات التي تُحاك خلال فترة الانتخابات بين زملاء المهنة، سواء في المكتب الواحد، أو في القائمة الواحدة، بل ومن الأقرباء في العائلة الواحدة، وهي بسبب رغبة البعض في السيطرة على مقعد مجلس الإدارة، مهما كانت التكلفة، ومهما بلغت الخسائر، وما يهم هو الارتفاع إلى قمة النجاح بأي مساعي كذب أو غدر، للوصول إلى النقطة التالية، لأن قطار الجمعية لدى البعض هو سلّم للعبور إلى نقاط أخرى، كالعضوية في البلدي، أو البرلمان، أو الوزارة، أو الهيئات، أو غيرها من نقاط عبور!

وطالما ظلت تلك العقلية التي تُدار بها العملية الانتخابية بين مجموعة الظل، التي تقرر مَن يخوض العملية الانتخابية على أساس قبلي وعائلي وطائفي وفئوي، وطالما بعض ممن يتم اختيارهم يرون في المنصب فرصة ثمينة للعبور إلى مناصب أكبر وأهم، فإنه لا يمكن الحديث عن إصلاح مهنة المحاماة، ولا الدفاع عن قضايا المحامين، وما سيكون هو عبارة عن حفلة لإلهاء الجمهور لمدة عامين، يتخللهما إشغالهم ببعض الرحلات إلى الخارج، للمشاركة في دورات ومؤتمرات مكررة، وتوزيع بعض الشهادات عليهم، وإشراكهم في اللجان المكتبية، التي تختم أعمالها ببعض التوصيات، وأخيرا التقاط بعض الصور مع عدد من المسؤولين، ثم الإعلان عن تحقيق إنجازات ورقية كفيل الواقع العملي بفضحها، وخير مثال ما صرح به أحد أعضاء مجلس الادارة بأننا «أنهينا كل مشاكل المحامين»، فيما يغني المحامون يوميا «ظلموه» في محكمة الرقعي، بسبب سوء الخدمات في المبنى!

الكارثة التي تعانيها مهنة المحاماة أكبر بكثير من تلك اللجان وتوصياتها، التي تصدر لذر الرماد في العيون، وهي تتطلب إرادة صلبة تعرف طريق الإصلاح، لا طريق التكسب والتلون الانتخابي، يترجمها مجلس إدارة مخلص همه العمل والإنجاز، ويضع نصب عينيه إقرار عدد من مواد قانون المحاماة الحالي، كاشتراط التدريب قبل القبول في المهنة، وإبعاد مَن لا يستحق البقاء فيها، وملاحقة الدكاكين المؤجرة وأصحاب الشنط، وضبط القادمين إلى المهنة عبر بوابة الأعمال النظيرة، ثم تقرير الحصانة اللائقة للمحامين، وأخيرا تنظيم قضية الأتعاب.