كثرث في هذه المرحلة التاريخية الصعبة جرائم الإرهاب الذي يعني ترهيب الأبرياء وترويعهم، أو قتلهم بدم بارد مثلما حصل في المجزرة الدموية التي وقعت يوم الجمعة الفائت في مسجد الروضة في شمال سيناء بجمهورية مصر، والتي تنفذها قوى يمينية رجعية تستخدم شعارات دينية من أجل تحقيق أهداف سياسية صرفة، وهي الوصول إلى السُلطة السياسية من أجل احتكارها إلى الأبد.

وكلما نفذت قوى الإرهاب الديني جريمة من جرائمها البشعة في منطقتنا العربية تعالت أصوات رسمية وأبواق إعلامية "تُبشّر" الناس بتشديد القبضة البوليسية أكثر مما هي مُشدّدة في الواقع السيئ المعاش؛ مما يعني المزيد من احتكار السُلطة والثروة، وتقييد الحريات العامة وقمعها، وإغلاق الفضاء العام، وتجريف السياسة، زاعمة أن هذا هو الحل السحري للاستقرار السياسي واستتباب الأمن الداخلي والتنمية، مع أن العكس هو الصحيح.

Ad

فالدول المدنية-الديمقراطية التي تُطلق فيها الحريات العامة، وتتحقق فيها المشاركة السياسية في سلطة اتخاذ القرار وصنع السياسات، ودرجة معقولة من العدالة الاجتماعية، علاوة على التعددية السياسية، بحيث تناقش التيارات المدنية والديمقراطية المختلفة الشأن العام من منظور وطني، مع حفظ حق الاختلاف في وجهات النظر سواء في الشؤون الداخلية أو الخارجية، هي الدول الأكثر أمناً واستقراراً سياسياً واقتصادياً، على الرغم من أنها تتعرض أحياناً لجرائم إرهابية بشعة يذهب ضحيتها الأبرياء مثلما حصل، قبل مدة قصيرة وعلى سبيل المثال لا الحصر، في فرنسا وبريطانيا.

وجدير بالإشارة هنا أن القوى الإرهابية التي ترتكب الجرائم البشعة التي يروح ضحيتها الناس الأبرياء والأطفال، تحقق، في واقع الأمر، أهدافاً مهمة للأنظمة الاستبدادية والبوليسية، فكل جريمة إرهابية تقوم بها قوى الظلام والقتل والتخلف تخلق للأنظمة الاستبدادية فرصة ذهبية من أجل تسويق احتكارها للسلطة والثروة، وادعاء ضرورة استمرار سياساتها القمعية التي تُركز بالدرجة الأولى على القبضة البوليسية، وتقييد الحريات العامة، علاوة على تجريف الحياة السياسية حيث تبالغ وسائل إعلامها وتلك المتمصلحة من الوضع القائم في تضخيم الأحداث وترويع الناس؛ مستغلة خوفهم على أمنهم وعلى وطنهم من الضياع، وهو خوف لحظي وطبيعي وصادق سرعان ما يتلاشى، بعد زوال صدمة الجريمة، فتتضح الحقيقة المُرّة لعامة الناس، وهي استمرار عملية احتكار السُلطة والثروة، وما ينتج عن ذلك من فقر وظلم اجتماعي وبطالة وغلاء أسعار وتدني مستوى المعيشة، وفي الوقت ذاته تتمدد قوى الرجعية والإرهاب بأشكالها المختلفة، وتقوى شوكتها نظراً لأن أنظمة الاستبداد وقمع الحريات تستخدم حواضنها الرئيسة لمنحها شرعية مزيفة، وهو الأمر الذي يوفر بيئة خصبة لانتشار الأفكار الرجعية المُتخلفة التي تعتاش عليها، والتي لا يمكن مواجهتها إلا بالأفكار المدنية المُضادة التي تحاربها بشراسة أنظمة الاستبداد والقمع.