نسمع الكثير من الجدل في العلن وعبر وسائل الإعلام، عن مخاوف من استخدام التقنيات الحديثة التي يصفها البعض بأنها قنابل موقوتة تحمل في أحشائها ما يمكنه أن يدمر أخلاقيات المجتمعات السوية، أو أنها صناديق غريبة فيها من كل شيء ونقيضه، كما يرى هؤلاء!

الغريب أن الذين يثيرون هذا الموضوع يتحدثون عن مشكلة تتفاقم كما يتصورون دون التدقيق، والاعتراف صراحة دون توجس بأن هذه التقنيات أصبحت جزءاً من الحياة العصرية اليومية، ولا فكاك من التعامل معها، وإلا تأخر المجتمع عن ركب الحياة في باقي بقاع الأرض.

Ad

النظرة الضيقة للأدوات التقنية الحديثة، وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، وما يثار حولها يجعل الكثيرين في حيرة من أمرهم، فهم يريدون أن يبقوا على تواصل مع كل أبواب المعرفة وتكوين صداقات يظنون أن من ورائها فوائد شخصية وعامة، وبين ما يثار من مخاوف مما يظن الآخرون أنه استدراج لكشف الخصوصية والأسرار الشخصية عبر هذه المواقع التي يـَرِدُها ملايين المتابعين كل بشكل مختلف وبمفهوم مختلف أيضا.

مجتمعاتنا العربية في أغلبها لا تقبل الجديد بيسر وسهولة إلا في أضيق الحالات، بل نجد الإحجام والرفض يسبقان فهم طبيعة الجديد، ذلك أن الشك والتشكيك وأشياء أخرى من رواسب الماضي تسبق الثقة والرغبة في الاكتشاف.

طــلب مذيع إحدى الفضائيات ضرورة عدم التوسع في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل الـ"فيسبوك" و"تويتر" وغيرها كذلك من الأجهزة والبرامج الذكية، ظنا منه أن أصحاب هذه المواقع وهم الذين يملكون مفاتيح شفراتها يمكنهم الاطلاع على كل ما ينشر فيها، وبإمكانهم التجسس على حياة الفرد الخاصة، وهذا معروف للجميع، ولكن في أضيق الحالات حين تتوجس الدول من بعض ما يجري في السر مما ينعكس عليها وعلى أمنها شراً، لكنه ليس مع الملايين الذين يردون هذه المواقع، بل في أضيق الحدود التي تستلزم ذلك، وأن سرية التعامل عبر هذه المواقع مكفولة بالقانون، ولا يمكن كشفها دون الشروط المتعاهد عليها، والتي وافق عليها المشترك في هذه المواقع.

والمذيع لم يهمل الدور الإيجابي لهذه المواقع بما تقدمه من معلومات وتيسير في التواصل بين المتابعين في كل أرجاء المعمورة، لكنه أثار الشكوك في النفوس، وكأنه يدعو إلى الانفصال عن العالم التقني.

هذه التقنيات والأدوات التي اقتحمت كل بيت، وهي متاحة للصغير والكبير، هي لغة العصر وأدواته، وأن القادم منها أكبر وأوسع وأشمل مما يتصوره العقل اليوم، وهذا حال الأجيال السابقة مع كل مستجد، فلم يخطر ببالها أن يوما ما سيأتي ويتمكن الفرد أن يرسل رسالة نصية أو صورة بمجرد الضغط على مفتاح صغير قد يكون في ساعة اليد أو الهاتف إلى شخص في أقصى المعمورة.

مثل ما حدث منذ أكثر من نصف قرن حين دخل التلفزيون حياتنا فقد سمعنا الكثير من الحكايات المضحكة والغريبة، ومن ناحية أخرى ظن البعض أنه سيقضي على صناعة السينما، ولكن هذا لم يحدث لأن بين التلفزيون والسينما عوامل مشتركة وأساسية لا يمكن لأي منهما أن ينفرد بعيدا كثيرا عن الآخر، بل كل منهما مكمل للآخر، وبقيت السينما متوجة بجانب التلفزيون.

إذاً لا داعي للتوجس والخوف من تبعات أدوات العصر والمستقبل، وأن توجيهها الوجهة السليمة يبقى في يد وقدرة الذين يتعاملون معها، وهم الذين يمكنهم الاستفادة منها وتطويعها لخدمتهم ومنفعتهم، وهم الأقدر على تجاوز المطبات الكثيرة فيما هو متاح، ونعرف أنه غير مُجدٍ ولا نافع.

سيبقى هذا العالم الافتراضي متاحا للجميع ويلجه كل أنواع البشر، والمستفيدون منه سلبا ليسوا استثناء!!

* كاتب فلسطيني- كندا