المشهد الجيو سياسي في المنطقة العربية يترقب ولادة ملامح جديدة من شأنها تغيير الكثير من المعادلات الإقليمية وفرض واقع مختلف على أكثر من صعيد، والفضل يعود في ذلك إلى عدة اعتبارات لعل من أهمها دور القوى العظمى وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.

فبينما بدأ نجم روسيا يسطع بزعامة الرئيس بوتين نجد المواقف الأميركية في تخبط مستمر، فروسيا المحاصرة اقتصادياً من الغرب بسبب الخلاف مع أوكرانيا نجحت في خلق منظومة جديدة من التحالفات الاستراتيجية وتفعيل دبلوماسية هادئة وحازمة، فكسبت خصوم الولايات المتحدة بشكل كامل وبعض حلفائها مثل تركيا والسعودية، ونجحت كذلك في استخدام القوة العسكرية العنيفة للدفاع عن حلفائها وخصوصا سورية، واليوم يسجل للروس أنهم ردعوا الغرب من مهاجمة سورية وخرجوا منها منتصرين لوحدهم على "داعش"، الأمر الذي فشلت فيه الولايات المتحدة التي قادت تحالفاً من أربعين دولة، وطلبت أكثر من تريليون دولار لهذا الغرض، وأعلنت أن القضاء على "داعش" قد يستغرق عشر سنوات على أقل تقدير!

Ad

روسيا لم تكتف بالانتصار العسكري في سورية، بل تقود حالياً تحركاً دبلوماسياً لإيجاد حلول سياسية لمستقبل هذه الدولة العربية المحورية، وبتنسيق مؤسسي مع إيران وتركيا دون أن تتجاهل دول الخليج وعلى رأسها السعودية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة نفسها، حيث فرضت مؤتمر الأستانة كأرضية للحل السياسي في سورية، وسحبت البساط من تحت مؤتمر جنيف المتعثر، وسوف تدير موسكو مشروع إعادة إعمار سورية في منظور استراتيجي مهم لدولة واعدة في مجال الصناعة والاكتشافات الهائلة للنفط والغاز الطبيعي.

في المقابل نجد الحليف التقليدي للعرب في أضعف حالاته بعد تراجع السياسة الأميركية في منطقة الخليج والشرق الأوسط في عهد الرئيس أوباما، وحتى مجيء الرئيس ترامب لم يغير ساكناً رغم تصريحاته العنترية وتهديداته المستمرة التي تبين أنها لا تتعدى هاتفا عموميا لا يستمر في الكلام إلا بتعبئته بالفلوس، فالرجل وعد بمسح كوريا الشمالية من الخريطة وهدد بتدمير سورية بالكامل، وأعلن تمزيق الاتفاق النووي وتركيع إيران، وخطط لإعادة الصين إلى القفص، وتحجيم الدور الروسي عالمياً، والخروج من الناتو إلا في حالة شفط المليارات من فرنسا وألمانيا، ولكن لم يحدث أي شيء من هذا القبيل!

الولايات المتحدة اليوم بدأت تنافسنا في تصدير النفط، فلم تعد تستورد نفطنا لاكتفائها من النفط الصخري، وصارت تبيع النفط الفائض عندها في أسواق زبائننا التقليديين، ومع ذلك أصبحت تأخذ من أموالنا أكثر مقابل حماية أمنية أقل، والأكثر من ذلك تخلت واشنطن عن أقرب حلفائها عندما كانوا بأمس الحاجة إلى دعمها، والورقة الوحيدة التي تقاتل من أجلها الولايات المتحدة في المنطقة هي إسرائيل التي تحاول تسويقها لنا في هذه المرحلة!

بالتأكيد فإن الجهود الذاتية والمصالح المشتركة بين الدول العربية يفترض أن تكون هي الأساس وهي البداية والنهاية، ولكن فقدنا كل ذلك وفقدنا معها بوصلة اختيار الصديق الوفي والأمين!