مع تصاعد الأزمة السياسية في زيمبابوي، خلال الأسبوعين الماضيين، التي انتهت باستقالة الرئيس روبرت موغابي، بعد حكم استمر نحو 37 عاما ما بين رئاسة فعلية أو رئاسة وزراء بصلاحيات واسعة، يبرز الأثر السلبي الذي انعكس على اقتصاد هذه الدولة، الذي يحتوي على العديد من الموارد الطبيعية كالألماس والذهب والنحاس والنيكل والتبغ، فضلا عن المنتجات الزراعية والثروة الحيوانية والصناعات الأخرى الغذائية والتحويلية التي لا تجعلها دولة غنية، ولكن كان من الممكن أن تقيها من آثار سلبية استثنائية لم ترد على أي دولة في العالم في العصر الحديث.

فماذا فعل موغابي باقتصاد زيمبابوي؟

Ad

أفضت سياسات الرئيس المعزول الاقتصادية منذ توليه زمام السلطة الفعلية عام 1980، ثم توليه الرئاسة بصلاحيات منفردة عام 1987 وما بعدها، الى تدهور لافت في الموارد الطبيعية لهذا البلد الافريقي، بسبب انحراف الإنفاق عن مقاصد التنمية، فكان معظم ميزانية الدولة يذهب الى الجيش وشراء المستلزمات العسكرية، فضلا عن السرقات المالية لكبار مسؤولي الدولة والرهان على الاستيراد، رغم توافر البنية التحتية للإنتاج واستهلاك رصيد العملات الأجنبية في قنوات صرف مشبوهة، وعدم تطوير قطاعات الانتاج واستصلاح الاراضي، بل ان مناجم الذهب والالماس باتت مهملة او يتم تشغيلها بطرق بدائية، او استولى عليها موغابي وزوجته وحلفاؤهم في السلطة، مما ساهم في بلوغ نسبة البطالة الى مستوى قياسي عالمي بنحو 90 في المئة. وبحسب تقديرات البنك الدولي فإن نحو 72 في المئة من سكان زيمبابوي يعيشون حالياً تحت خط الفقر، و20 في المئة منهم في حالة فقر شديد!

غير أن اقتصاد زيمبابوي تدهور بشكل كبير في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، عندما دخلت كطرف مشارك في الحرب الأهلية في جمهورية الكونغو، فكانت فاتورة الصراع ليست فقط في مليارات الدولارات، ولكن أيضا في تعطل وسائل الإنتاج وانهيار البنية التحتية للعديد من الصناعات والانشطة، فكانت ردةُ الفعل من موغابي (بغية تحقيق بعض الشعبية المنهارة في دولة لا تزال تعيش على آثار سنوات الفصل العنصري) مصادرةَ المزارع المملوكة للبيض، إلى جانب الافراط في طباعة اوراق النقد بدون غطاء، مما ادى الى تدهور الناتج المحلي ودخول البلاد بعدها في أسوأ ازمة اقتصادية يمكن ان تتعرض لها دولة ما.

وأثرت هذه السياسات على حياة الناس بشكل مباشر، فتفشى وباء الكوليرا بشكل مرعب، مما خفض معدل متوسط العمر لمواطني زيمبابوي من 55 عاماً إلى 35 عاماً فقط خلال اقل من 25 عاما.

دولار بمليار!

زيمبابوي هي الدولة الوحيدة في العالم التي أصدرت عملة بورقة واحدة قيمتها 100 تريليون دولار زيمبابوي، بعد ان تراوح سعر السنت الاميركي الواحد ما بين 500 و600 مليار دولار من عملتها، وكان الناس هناك يحملون حقائب مليئة بالاموال لشراء وجبة طعام، إذ بلغ التضخم في عام 2008 مستويات فلكية عند 231 مليون في المئة، وكانت الاسعار تتضاعف في اليوم الواحد اكثر من مرة، مما جعل شركات طباعة النقود المعتمدة عالميا ترفض طباعة دولار زيمبابوي، فطبع موغابي عملة الـ 100 تريليون دولار محليا، ثم ساءت احوال التضخم في الاسعار قبل ان يوقف موغابي تعاملات دولارات بلاده عام 2009، ويعتمد على تعاملات الدولار الأميركي والراند الجنوب إفريقي.

وفي هذه الاوضاع, تعتبر زيمبابوي من منصات التداول القوية للعملات الرقمية، إذ إنها ساهمت هذا الاسبوع في تذبذب معاملات عملة بيتكوين من 8 آلاف دولار الى 13 الفاً خلال 24 ساعة فقط.

المستفاد من درس موغابي وزيمبابوي أن الدكتاتورية وضعف الحصافة والبعد عن طريق المنطق والرهان على العنصرية في ادارة اي دولة يمكن أن تضع المجتمع على طريق الانهيار، وتقود الاقتصاد الى التعثر، وتنعكس بالضرورة على صحة الناس وتعليمهم وأعمالهم وحياتهم، فالنموذج الصارخ لسوء سياسات الحكم لا بد ان ينعكس سلبا على كفاءة الاقتصاد وقدرات اي بلد وتنافسيتها.