لطالما سعت جمعية المحامين -بمجلس إدارتها الحالي والمجالس السابقة- إلى تقديم مشاريع بقوانين جديدة تنظم مهنة المحاماة، خلفاً للقانون رقم 42/1962 بشأن تنظيم مهنة المحاماة المعمول به إلى يومنا هذا. ولطالما سعى كثير من أعضاء مجلس الأمة الحاليين والسابقين بتقديم عدة مشاريع بقوانين ومقترحات ومآلها «الأدراج»، فضلا عن بعضهم الذين يقوموا بـ»سرقة» مقترحات بقوانين لزملائهم ويقدمونها بأسمائهم.

وعلى كل حال، هذه المقدمة كانت لشيء في نفس الكاتب.

Ad

إن الخطورة التي دعت الكاتب إلى التطرق لها بهذا المقال هو تفسير محكمة الاستئناف في دائرتها الجزائية لنص المادة 11 مكرراً من القانون رقم 42 لسنة 1962 بشأن تنظيم مهنة المحاماة -بعد أن دفع أحد المحامين باعتباره متهماً في جناية، ببطلان محاضر تحقيقات النيابة العامة لعدم إخطار جمعية المحامين، باعتبار أن الجناية المتهم بها كانت متصلة بعمله، وهو ما يقتضيه نص المادة 11 مكرراً من قانون تنظيم مهنة المحاماة، والتي جرى نصها على أن «لا يجوز التحقيق مع محام فى جريمة متصلة بعمله إلا بمعرفة النيابة العامة، وعليها إخطار رئيس جمعية المحامين أو من ينوب عنه بما اتخذته من إجراءات بشأن المحامى ومواعيد التحقيق، ولرئيس الجمعية أو من ينيبه حضور التحقيق، وللجمعية طلب صور التحقيق بغير رسوم». وبعد أن ارتأت محكمة الاستئناف الرد على الدفع المبدى من أحد الزملاء قررت أن الجريمة التي اقترفها المتهم -المحامي- ليست جريمة متصلة بعمله. وأضافت المحكمة أنه، وإن كانت تتصل بعمله وتنكبت النيابة العامة عن تطبيقها لنص المادة 11 مكرراً، فإنما هو محض إجراء تنظيمي لا يترتب على مخالفته بطلان التحقيق (الطعن رقم 1723/2016 جنايات استئناف/7-52/2015 أمن دولة).

لذلك، بعدما انتهت محكمة الاستئناف في دائرتها الجزائية بتفسير المادة سالفة الإشارة لم تعد حماية حقيقية للمحامي في قانون تنظيم المهنة، أثناء أدائه لعمله، سواء أمام المحكمة أو أمام جهات التحقيق، سيما أن حكم التمييز الصادر في الدعوى الجزائية سالفة الإشارة أقر بما انتهت إليه محكمة الاستئناف بتفسيرها، لأن حكم التمييز أحال إلى أسباب الحكم الاستئنافي وأقره من حيث المضمون (بموجب الطعن الرقيم 144 لسنة 2017 جزائي/2 الصادر في 15/5/2017)، بالتالي فإن ضرورة تشريع قانون ينظم عمل مهنة المحاماة من جديد -بنصوص واضحة صريحة- بات مطلباً جدياً على بعض أعضاء مجلس الأمة، لاسيما المحامين منهم، لذلك يجب أن تكون من الأولويات، وأن جمعية المحامين باعتبارها جمعية نفع عام لا تملك سن التشريع، ولكنها سعت جاهدةً في مجلسي إدارتها السابق «بالمسايسة» والحالي بالضغط على أعضاء مجلس الأمة من خلال التصعيد المشروع، ولكن دون جدوى؛ ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رمادِ.

وختاماً، لا تتحقق ثمرة الضمانة للمتقاضين إلا بوجود محامٍ لا يخشى على نفسه القيام بأعمال المحاماة الموكلة إليه، وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة (54) من الدستور المصري خير مثال يُحتذى به، وهي تنص على أن «...ولا يبدأ التحقيق مع المتهم إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محام...».

لذلك، ليت بعض أعضاء مجلس الأمة يُدركون مدى أهمية حماية المحامي أثناء أدائه لعمله، ويقتدون بما جنح إليه واضع الدستور المصري، من حيث أهمية مهنة المحاماة ورسالتها.