"شايف يعني مش خايف" ديوان لأشعار بالعامية المصرية للشاعر الشاب صلاح الغازي، الذي صدر له من قبل ديوان نازل طالع عصاية كمنجة 1997، الروح الطيبة 2008، تلبس الجينز 2009، سلموا عليا وكأني بعيد، هذا إلى جانب أعماله النقدية والمقالات.

حينما بدأت القراءة كانت رغبتي هي اكتشاف الفروق ما بين كتابات الأجيال الحالية من شعراء العامية، ومن أسسوا مدرسة للشعر العامي، وعلى رأسهم فؤاد حداد وعبدالرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم وغيرهم. وبالفعل، شعرت باختلاف واضح، لعل أهمه انحسار الاهتمام بالقضايا الوطنية الكبرى، سواء الداخلية أو الخارجية، أي ما يسمى بالقومية. شعر العامية الجديد الذي تلا تلك الفترة لم يعد له أي اهتمام بها، فمصر اختلفت وتغيَّرت أوضاعها الاقتصادية والسياسية، وضاقت وازدحمت بالبشر، وأصبحت هموم ومتاعب الحياة اليومية أكبر بكثير من الاهتمام بالقضايا السابقة، وأصبح شعار المرحلة كيف تنجو من الطوفان والهرولة والاختناق اليومي خلف رغيف العيش، واصطياده بأي حيلة أو أي طريقة كانت، ما أدى إلى تغير السلوك والطباع لدى الأغلبية الكادحة، لذا جاء شعر صالح الغازي ليكشف ويعبِّر عن حالة زمن يعيشه.

Ad

وهذا مقتطف رائع يعبِّر عنه من ديوان "سلموا عليا وكأني بعيد": "أشحت يوم إضافي/ عشان أثبت وجودي من جديد/ نجمة جه عليها الفجر وما نورتش لحد!/ بنت انقطع عنها الحيض!/ شوفت الكلام يا عبدالسلام!/ ناقص أمسك صنارة اصطاد الاستحسان/ بقيت باخرج من مداري/ وأمشي هنا جنب الناس/ وكأني منهم/ سلموا عليا وكأني بعيد/ مدوا الأيادي".

وهذا مقتطف آخر بعنوان شعار المرحلة يرسم صورة واضحة للوضع الآن: "الأشعة الحمرا/ بتكشف المتخبي/ ولا يساويها في الدهاء/ إلا عيون اللي بيحبوني!/ في خلفية دخان المسدس شايف الأشباح/ وسوبر مان خلفية شاشة الكمبيوتر/ بارتب أوراقي يمكن ربنا يكرم/ أو وشي السمح يشفعلي/ وأملك قيراط في جنة العصابات/ مع أني فاهم في الحسابات/ لكنها خاصية غير مُفعلة/ حكايات الضحايا عرفتني ثمن كل شيء/ كُلنا في السباق../ باجري كأني قاعد على ركبتي وميت من الضحك/ باجري كأني بردد أغنية قديمة بتفكرني بذكرى/ باسامح الأعداء/ ومش عارف أسامح الصحاب".

صالح يكتب لغة عامية أيضا اختلفت عمن سبقه من شعراء العامية، تشعر القارئ بحداثة مصطلحات عصره، التي عكسها على واقعه: "ح أقفل الكاميرا/ وافتح القفص/ كلهم/ عندهم/ البجاحة أوبشن مشترك/ بقى يعني لازم/ أوسع صدري/ وأكبر دماغي/ ناقص أفك تنية البنطلون/ هو أنا يعني/ ح أرشح نفسي ملك الغابة؟/ اخرجوااا/ أنا تلخبطت خلاص".

صالح الغازي يكتب شعرا لناس تزدحم بهم مصر، وهموم معيشتها يا دوب تفوت في خرم الإبرة، حياة تختنق بضيق مساربها، يرصد بشعره هموم هؤلاء المتعبين منها، من تسير حياتهم على حبال البهلوان كي يمنحوا يومهم شقا صغيرا يسمح بالأمل، حتى الحلم الآتي بالتغير من ثورة 25 يناير تبدد مع سقوط الأوهام: "شوفت الشعور بالوطن إزاي؟/ مين يصدق؟/ الشفافية مش سد خانة/ افرح زي ما إنت عايز،/ سيب أوهامك،/ تتحرق/ دخانها يطلع السما حلقات،/ السما تعرف تبدده/ وخليك إنت في التحرير". "واجتهد عشان أوصل/ لكني مش أكثر من جاهل./ شايل الفاس على كتفي/ وفاكر إني باحقق حاجة مهمة./ البيوت بقت رمل/ وأنا سلحفة، يبكي الرمل من تُقلي/ ويبكي النيل من الفُراق/ ويعطش التراب من غيابك/.. يادوب بامشي خطوة.. خطوة/ مش محبة في البُطء/ إنما رجليا بتغوص في الرملة/ واعترف../ أنا مكسوف أعيط".

وهناك أيضا أشعار للحب غاية بالحنان والرقة تجعل الحياة سهلة: "كونتيلي بخيوطك الحرير حريتي/ أجري ورا جنوني/ قبل ما أقع تلحقيني/ لما أشوفنا بافرح قوي/ وأسألك عن رضاكي؟/ فرحانة وراضية/ أستغرب وبعدين أفرح./ لولا وجودك كان مستحيل أتغير".

صورة أخرى معبأة بالحب: "لو تنامي متطمنة أول ما تصحي اوصفي لي بالضبط/ عشان أحُط الدنيا ورا ضهري وأرقص/ لو تدوقي تمرة بحلاوتها أحس/ بادلعك طب ومالو/ أصل أنا هايم/ ومين غيري يدلعك؟/ بتقوليلي يا قمر!/ ياااه أنا قمر/ وانتي اللي الشمس تبقى حته منها..!".

صالح الغازي شعره رصد التغيرات التي يعيشها ويعاصرها زمنه الآن، توثيق مهم لوقته وقد تتغير هذه المرحلة.