خلال لقاء وجيز مع الرئيس الروسي خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في الفلبين، وقع ترامب في الشرك اللغوي لإعلان بوتين أنه "يعتقد" أن روسيا لم تتدخل في الانتخابات الأميركية.

عندما يكتسب ترامب خبرة أكبر في التعامل مع بوتين، سيفهم طريقة تعاطي الرئيس الروسي من الحقيقة والكذب، "فالحقيقة" بالنسبة إلى بوتين هي ما يعتبره ملائماً في حينه.

Ad

على سبيل المثال خلال عملية ضم روسيا القرم، كانت "حقيقة" بوتين أن أهل القرم صوتوا تلقائياً للانضمام إلى روسيا خوفاً من الحكومة الفاشية الجديدة في أوكرانيا، وأكّد أن ما من قوات خاصة روسية متنكرة كـ"رجال خضر صغار" حاولت فرض عملية الضم هذه.

ادّعى بوتين أن أي جنود روس في ساحة القتال الأوكرانية ليسوا سوى متطوعين وطنيين، وجنود سابقين انفصلوا رسمياً عن الجيش الروسي، ومجموعات من المظليين ضلت طريقها، وجنود روس "يقضون إجازة" في أوكرانيا.

بعد أشهر من الإنكار أقرّ بوتين أن جيش بلاده يعمل فعلاً في شرق أوكرانيا الخاضع لسيطرة الانفصاليين، فقد أعلن: "لم نقل مطلقاً إنه ما من أناس هناك ينفذون بعض المهام".

على نحو مماثل، يزعم بوتين أن لروسيا قراصنة يشبههم "بالفنانين"، لكن كثيرين منهم انتقلوا إلى نيجيريا حيث يشاركون في خطط مشهورة عالمياً هدفها سلب المال من الأغبياء.

وماذا يستطيع بوتين أن يفعل إذا اختار "المواطنون الروس الأحرار" هؤلاء أهدافهم وفق ما يشعرون به "عندما يستيقظون في الصباح ويقرؤون عما يحدث" في الانتخابات في أوروبا، والولايات المتحدة، وغيرهما؟

أضاف بوتين: "إذا كانوا يملكون حساً وطنياً، فسيبدؤون بالمساهمة، التي تُعتبر محقة من وجهة نظرهم، لمحاربة مَن يتفوهون بكلام سيئ عن روسيا".

وما يزيد تحديد تدخل روسيا الانتخابي تعقيداً هو أن بوتين يستخدم أعضاء راغبين من النخبة الأقلية الثرية الحاكمة لإنجاز أعمال الدولة. على سبيل المثال سددت غازبروم الجزء الأكبر من تكاليف الألعاب الأولمبية في سوتشي، كذلك تشير بعض الشائعات إلى أن أحد أعضاء هذه النخبة دفع المال للقوات الانفصالية في شرق أوكرانيا.

يشكّل نظام حكم بوتين القائم على السرقة متاهة محيرة يضيع فيها الحد الفاصل بين الدولة والعالم الإجرامي، ويجمع "قراصنة روسيا رفيعي الشأن" بين الجريمة والحرب عبر الإنترنت تحت حماية ما يُدعى "الدولة"، ففي روسيا تبدو الخطوط الفاصلة بين عالم الأعمال، والحكومة، وعالم الإجرام متداخلة إلى حد يستحيل معه فصلها.

سلّمت شركة فيسبوك أكثر من 3 آلاف إعلان مرتبط بروسيا من موقعها إلى لجنتَي الاستخبارات التابعتين للبيت الأبيض ومجلس الشيوخ، فضلاً عن اللجنة القضائية التابعة لهذا المجلس، لكن اللافت للنظر أن المواد الروسية المشتبه فيها تؤيد كلا طرفي الطيف السياسي الأميركي.

أعتقد أن عدد عملاء فيسبوك الروس الذين يُصنَّفون وكالات حكومية ضئيل، هذا إذا لم يكن معدوماً. على العكس، يقود هؤلاء عموماً عمليات صورية مشبوهة لا أحد يعلم مَن يمولها.

إذا استطاع بوتين أن يدّعي بكل جدية أن روسيا لم تنظم ضم القرم ولم تستخدم جنوداً روساً نظاميين في أوكرانيا، بإمكانه طبعاً أن يؤكد لترامب بحزم أن روسيا لم تتدخل في الانتخابات الأميركية، إلا أنه اكتفى بالقول "أعتقد".

ولكن ما الاختلاف بين قرصان روسي يقرصن اللجنة الديمقراطية الوطنية من نيجيريا ومظلي روسي "تائه" في شرق أوكرانيا و"رجل أخضر صغير" يهتم بشؤونه في القرم؟ لا تُعتبر روسيا مسؤولة عن كل هؤلاء وفق بوتين.

لنأمل أن يفهم ترامب ما يقوله بوتين في الواقع.

* «بول ر. غريغوري»