«لم يكن غرضي من منشوري الخاص بالبحث عن عمل كطباخ إثارة الضحك أو إثارة الشفقة واليأس في النفوس، فنبرة الدعابة مقصودة طبعاً، ولكن الأهم منها فتح مناقشة عن الأوضاع المتعثرة لصناعة أعشقها»، قال المخرج يسري نصرالله مفسراً السبب الذي دفعه إلى نشر تدوينة على فيسبوك يطلب فيها العمل كطباخ.

كذلك تحدّث عن الأزمة التي بدأت تظهر معالمها بوضوح في بيع كثير من المحطات التلفزيونية والعودة إلى شكل شبيه بالاحتكار في مجال السينما والدراما، وما يتردد عن نصائح توجه إلى شركات الإنتاج ليقتصر المحتوى الذي ستقدمه على الموضوعات العائلية وتلك التي لا تثير الجدل، والابتعاد عما تصنفه الرقابة بأنه مخصص لمشاهد تخطّى الـ 18 سنة».

Ad

تابع نصر الله: «أخطر ما يمكن أن يحدث للفنون عموماً وللسينما والدراما خصوصاً أن تتحوَّل إلى إعلام موجه لأية سياسة، أياً كان رأيك في هذه السياسة. ولا أريد أن أتحدث هنا عن ضرورة التنوع، وكل ما يخص الفن كرفاهية ثقافية، فيبدو لي أن الشق الاقتصادي هو المهدد الآن».

وحذّر نصرالله من أن الخبرات الاقتصادية السابقة في مصر، وفي العالم، تعلمنا أن الاحتكار، سواء كان خاصاً أو عاماً، يؤدي إلى تفاقم الأزمة لا إلى حلها، مشيراً إلى أن الدراما المصرية في السنوات الأخيرة نهضت نهضة حقيقية بأعمال مثل «ذات، ونيران صديقة، والسبع وصايا، وموجة حارة، وسجن النسا، وغراند أوتيل، وأفراح القبة، وهذا المساء، ولا تطفئ الشمس، وواحة الغروب، وكلبش»، وغيرها.

وأكّد نصرالله أن الأعمال سالفة الذكر تميّزت بجرأة تبشر بإمكان فتح أسواق غير تقليدية للدراما والسينما المصرية، مضيفاً: «أشعر بأنه لو توافرت نسخ مترجمة من هذه المسلسلات لأمكن عرضها خارج السوق العربي التقليدي».

ينهي نصرالله كلامه قائلاً: «ما يتردد الآن من كلام عن الاتجاه نحو «تهذيب» الدراما والأفلام، وعن تركز تمويلها وتوزيعها على عدد من الجهات والمحطات التابعة للدولة، يهدِّد بإفقاد فنون السينما والتلفزيون حيويتها وقدرتها على المنافسة حتى في الأسواق العربية والمحلية».

أزمة اقتصادية وشللية

بدوره أرجع المخرج خالد الحجر توقف المخرجين الكبار ونوعية أفلامهم إلى الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر أخيراً، بعد تحرير سعر الصرف وارتفاع الدولار، قائلاً: «الأزمة الاقتصادية أثرت في الصناعة عموماً، فضلاً عن وجود الشللية في العمل، إذ اعتاد كل منتج الاستعانة بمجموعة معينة من المخرجين والمؤلفين في جميع أعماله».

وأشار الحجر إلى أن صناعة السينما من أولى الصناعات التي تتأثر بالعوامل الاقتصادية، وهو أمر يطاول العالم كله وليس مصر فحسب، مضيفاً أن «ثمة من يرى أن الفن ليس أمراً ضرورياً، ومع أول الأزمات الاقتصادية يتأثر الدعم الفني بشكل كبير».

وأكّد الحجر أن الأعمال التي يقدمها المخرجون الكبار والمعروفة بالسينما غير التجارية يكون نجاحها من خلال تأهلها للمهرجانات وحصد الجوائز الدولية، وليس الربح من خلال شباك التذاكر، واقترح: «لو توافرت لدينا دور عرض متعددة مثل سينما زاوية التي تتخصص في عرض أفلام غير تجارية ولها جمهورها الخاص، لأقدمنا على إنتاج هذه النوعية من الأفلام ولأطلق هؤلاء المخرجون الكبار أعمالاً جديدة».

وبيّن الحجر أن كل مخرج مسؤول عن اختياراته ويحدد إن كان يريد أعمالاً تجارية أم أفلام مهرجانات وجوائز، مطالباً بضرورة أن تدعم الدولة تلك المشاريع، فضلاً عن الدعم الخارجي من خلال التمويل والمنح الخارجية، وهو ما يسعى إليه من خلال مجهوده الذاتي، وهو شارك في إنتاج «حرام الجسد» بسبب تعثّر موارد الفيلم.

وطالب الحجر بوجود كيان حكومي يدعم الأفلام غير الهادفة إلى الربح، خصوصاً أنه عقب ثورة 25 يناير توقف عدد من الكيانات وتعطلت مؤسسات داعمة للأفلام كقطاع الإنتاج بعد رحيل رئيسه المنتج ممدوح الليثي.

«اللعب في المضمون»

رأى المخرج سعيد حامد أن المنتجين يفضلون «اللعب في المضمون» من خلال إنتاج نوعية خفيفة من الأفلام تعيد لهم ما صرفوه عليها من أموال، وقال: «أعداد المنتجين اليوم أقل من أعداد الموزعين الذين ينتجون الأفلام، ما يتسبب في حالة الاحتكار التي نشهدها»، معتبراً أن ثمة بادرة أمل بعد عرض أفلام مثل «الأصليين، ولا مؤاخذة، والكنز»، وعودة الأعمال غير التجارية، خصوصاً بعد تحقيقها الربح والمشاركة في المهرجانات.

وأشار حامد إلى أن صندوق دعم السينما الذي توقف أخيراً كان يدعم الأفلام غير التجارية، من ثم يُعزِّز حضور المخرجين الكبار، مناشداً وزارة الثقافة إحياء هذا الصندوق.