هل من الدقيق أن نتوصل إلى أوجه شبه بين حركة سيادة البيض العنيفة والنازية الجديدة من جهة والغضب العدمي للإسلام الجهادي المتشدد من جهة أخرى؟ يبدو الباحث الأميركي-الفرنسي سكوت أتران مقتنعاً بأن هاتين الظاهرتين المميتتين تشكلان وجهين لعملة واحدة، وإذا لم يدرك الناس هذه النقطة، يظن أتران أن قدرتنا على التكيف مع أي من هاتين المشكلتين ستبقى محدودة.

لا شك أنهما تحملان بعض أوجه الشبه السطحية التي يستطيع أي إنسان تمييزها. على سبيل المثال عندما اقتحم متطرف في شهر أغسطس مجموعة من المتظاهرين الليبراليين المناهضين للتمييز العرقي بسيارته في شارلوتسفيل بفرجينيا، كان يقلّد مناورة سبق أن استعملها مقاتلون إسلاميون منفردون في أربع دول أوروبية على الأقل.

Ad

لكن أتران، الذي يشغل مناصب أكاديمية في بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، يرى أوجه شبه أكثر عمقاً، ويؤكد ذلك في مقال نشره في Aeon (منتدى للنقاشات الفكرية المعمّقة) واستند فيه إلى سلسلة من تحقيقاته الأكاديمية الخاصة.

يعتقد أتران أن نوعَي التعصب هذين يعكسان على حد سواء إخفاق النظام الديمقراطي الليبرالي في إلهام أي إنسان وتحفيزه للدفاع عنه والجاذبية الخطيرة للعقائد التي تتحدى هذا النظام، فما يجعل هذه العقائد جذابة ليس محتواها بل الهوية الجماعية القوية التي تقدمها. تؤدي هذه العقائد إلى قيام مجموعات من النظراء تعِد بأن تمنح أعضاءها تقديراً كبيراً يشكّل على ما يبدو سبباً كافياً للتضحية بحياتهم. في المقابل، تشير استطلاعات الرأي إلى أن قليليين جداً مستعدون اليوم لبذل حياتهم من أجل الديمقراطية.

بالاعتماد على أبحاثه الخاصة وأبحاث زملائه في فرنسا، وإسبانيا، والمغرب، اكتشف أتران أنه "ما من استعداد كبير لتقديم تضحيات مكلفة في سبيل الديمقراطية، وخصوصاً عند مقارنة هذا الاستعداد بالاستعداد للقتال والموت في سبيل الجهاد في أوروبا".

يسود بين المجاهدين والمتعصبين اليمينيين المتطرفين اليوم اعتقاد كارثي عن أن الحساب الأخير لأعدائهم ليس حتمياً فحسب، بل يجب أيضاً تسريعه من خلال أعمال تقوّض السلطة التقليدية. ومن وجهة النظر هذه، من الممكن تبرير أي عمل عنف. ومثالاً على طريقة التفكير هذه، يقتبس أتران الكلمات القاتمة لأحد قادة حركة سيادة البيض كان قد التقاه: "الشر هو الإخفاق في إدارك ضرورة الحرب العرقية".

يشير هذا الباحث إلى أن نخباً غربية كثيرة ما زالت عالقة في حالة من التفاؤل الشبيه بفلسفة فوكوياما، تفاؤل يستخف بالتهديد الذي يشكّله نوعَا التطرف هذان. فخلال المنتدى الاقتصادي العالمي هذه السنة في دافوس، تكوّن لديه "الانطباع أن معظم الحضور يعتقدون أن النهضة الأخيرة للحركة الجهادية والشعبوية الإثنية-القومية المعادية للأجانب ما هي إلا ومضة رجعية في عملية تقدّم العولمة الحتمية".

إذا كان طرح أتران مصيباً، فلا بد من الإشارة إلى ما يلي. يكرر كثيرون، وهم محقون إلى حد ما، أن على قادة الإسلام المعتدل أن يكونوا أكثر حماسة في تأكيد أن الإرهاب لا يملك أي ذرة من الشرعية وفي تقديم نسخة بديلة أكثر جاذبية من إيمانهم. ولكن ماذا عن العالم المسيحي تاريخياً؟ صحيح أن أنصار سيادة البيض لا يدّعون دوماً أنهم يحاربون من أجل القيم المسيحية (أو حتى اليهودية-المسيحية)، ولكن من الضروري بالتأكيد أن يحرص بشدة كل مَن يشغلون منصباً قيادياً أخلاقياً في العالم الغربي أو يطمحون إلى مكانة مماثلة، من رجال الدين إلى السياسيين والمفكرين البارزين، ألا يمنحوا أي نوع من الغطاء للتعصب الديني. ويجب أيضاً أن يقدّموا بديلاً جذاباً تبدو فيه القيم الغربية أمراً يستحق الدفاع عنه.