قرارات وزارة الداخلية بشأن المخالفات المرورية لا شك أنها قاسية ومبالغ فيها، وتندرج ضمن مقولة «أبوي ما يقدر إلا على أمي»، وقد تتخللها مخالفة دستورية أولاً بسبب تحديد مبالغ الغرامات المالية دون سند تشريعي وثانياً مصادرة أو حجز المركبة التي تعود ملكيتها إلى الغير.

نعم نتفق بأن قواعد المرور كغيرها من الكثير من الأمور لا تحترم، ونفتقر إلى ثقافة الانضباط على نطاق واسع، وحتى الغرامات المالية قد يدفعها المواطن وهو يضحك فلا تشكل رادعاً، وبالنتيجة فإن الحزم مطلوب، وثقافة التوعية باحترام القانون مستحقة، ولكن كل ذلك يحتاج إلى إعداد بنى تحتية تضمن مقومات النجاح ناهيك عن ضرورة سلامة القرارات من الناحية القانونية.

Ad

على سبيل المثال، هذه القرارات التي تصل إلى حجز السيارة المخالفة لمدة شهرين بسبب عدم ربط الحزام الأمان أو استخدام الهاتف الجوال، لن تطبق على الهوامير وأصحاب النفوذ، وحتى لو طبق عليهم القانون من باب الاستعراض فإن السيارة تعود إلى منازلهم عبر خدمة خمس نجوم في اليوم نفسه عبر رسالة وتسآب واحدة! فالتطبيق سوف يسري على المواطنين الغلابة والأجانب فقط، إضافة إلى ذلك فإن «الهوليله» الإعلامية سرعان ما تتبخر، وهذا ما حدث فعلاً، فقد أصدرت «الداخلية» أوامر بوقف قرار سحب المركبات لمخالفتي حزام الأمان والهاتف النقال، لتعود الأمور إلى وضعها الكويتي العادي، والعقوبة تطيح برأس صاحب الحظ التعيس في الأيام الأولى، تماماً كما حصل في المحاولات السابقة، وخصوصا أيام اللواء عبدالفتاح العلي الذي دفع ثمن حرصه على تطبيق القانون بسبب مخالفة واحدة خاصة لبعض أصحاب النفوذ، وبعدها تم نسف النظام المروري من جذوره!

مشكلتنا الحقيقية ليست في أن الكويتي لا يحب تطبيق القانون أو يلتزم بالقواعد العامة، بما في ذلك قوانين المرور التي فقدنا بسبب إهمالها النظام وسلامة الطريق، حيث الاستهتار وملاحقة خلق الله في الشوارع والاستعراضات المجنونة، وتحويل طرقاتنا إلى ميدان مخيف تحوم فيه كل أشكال الخطر والأهوال.

المشكلة الحقيقية التي يفهمها الصغير والكبير، ألا مظلة ولا هيبة للقانون، فكيف يطلب من المواطن أن يستجيب لحزام الأمان في حين يرى كبار سراق المال العام يسرحون ويمرحون، بل يتحكمون في مصيرهم ومصير البلد؟ وكيف يقبل مواطن أن تحجز سيارته الوحيدة وهو يفكر في إيصال أولاده إلى المدرسة في حين السيارات الفارهة والطائرات الخاصة تسرح وتمرح من أموال الشعب؟ وكيف يستجيب المواطن لعدم استخدام الجوال في حين لم يحاسب أي من تجار اللحوم الفاسدة أو تجار البصل الذي وصل إلى 10 دنانير، وكيلو الزبيدي إلى 12 دينارا، ناهيك عن الصفقات المليونية وخسارة المليارات من صندوقنا السيادي وتورم الأرصدة الشخصية؟

الناس بالتأكيد ترفض ببساطة لأنها لا تشعر بالعدالة، وأن القانون على «ناس وناس»، وهذا منبع المشكلة الحقيقية، وإلا كان الجميع يلتزم بكل طواعية وطيب خاطر حتى مع عدم وجود هذه العقوبات المغلظة الجديدة، ولسان الحال يقول اضبط سعر البصل وامسك الهامور ثم طبق قانون المرور!