أكد صندوق النقد الدولي أن التحسن في تنفيذ مشاريع خطة التنمية الخمسية في دولة الكويت وتحسّن الثقة سيدعمان الانتعاش التدريجي للاقتصاد الوطني، متوقعا نمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات "غير النفطية" على المدى المتوسط، وتسجيل نحو 4 في المئة في عام 2018.وتوقع الصندوق، في بيان نشر على موقعه الإلكتروني، ارتفاع الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات النفطية في العام ذاته الى نحو 4.5 في المئة، بافتراض انتهاء اتفاق تخفيض حصص الإنتاج لمنظمة أوبك، والتوسع في الإنتاج النفطي تدريجيا، استنادا الى خطط الاستثمار في هذا القطاع.وأضاف أن بعثة الصندوق التي زارت الكويت بين 31 أكتوبر الماضي و13 نوفمبر الجاري، أعدت بيانا تضمن الاستنتاجات الأولية لتقرير سيعد لاحقا لمناقشته من قبل المجلس التنفيذي للصندوق في أطر المشاورات الدورية مع الكويت لعام 2017 بموجب المادة الرابعة من اتفاقية إنشاء الصندوق. وتناول البيان 3 محاور رئيسة تشمل التطورات المالية العامة والمالية الكلية الراهنة في الكويت، وتوقعات المالية العامة والمالية الكلية والمخاطر التي تواجه تلك التوقعات ومناقشة السياسات.
ارتفاع متواضع
وحول تطورات المالية العامة والمالية الكلية الراهنة لدولة الكويت، أشار التقرير الى الارتفاع "المتواضع" في نمو القطاعات (غير النفطية) خلال العامين الماضيين، ومعدلات "معتدلة" للتضخم السنوي، فضلا عن تعافي معدل النمو في الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات (غير النفطية) بعد الفتور في عام 2015.وتوقع بيان الصندوق وصوله إلى نحو 2.5 في المئة خلال العام الحالي، مقارنة بنحو 2 في المئة في 2016 مدفوعا بتحسن الثقة.واعتبر أنه "برغم تأثير ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وأسعار المياه، فإن معدلات التضخم بقيت في مسار سيؤدي إلى أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات، لتصل إلى نحو 1.75 في المئة في 2017 مدفوعة بانخفاض إيجارات المساكن والتطورات المواتية لأسعار المواد الغذائية".وذكر أن الحساب الجاري لميزان المدفوعات سجل في 2016 أول عجز له منذ سنوات عديدة وبنحو 5 مليارات دولار، بما نسبته 4.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعا بانخفاض أسعار النفط، متوقعا "تحسن وضع الحساب الجاري مع انتعاش أسعار النفط، ليصل إلى وضع متوازن على نطاق واسع هذا العام".وقال صندوق النقد إن وضع المالية العامة لدولة الكويت "شهد تحسنا على خلفية ضبط الإنفاق العام"، مبينا أن "الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة لاتزال ضخمة".تقليص الإنفاق الجاري
وأضاف أن هذه الجهود ستؤدي بدورها إلى تقليص الإنفاق الجاري بحوالي 3.25 مليارات دينار (نحو 10.6 مليارات دولار) على مدى العامين المقبلين، مبينا أن الموازنة العامة شهدت في السنة المالية (2016/ 2017) باستبعاد دخل الاستثمارات الحكومية وبحساب مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة "عجزا كبيرا" للسنة الثانية على التوالي يعادل نحو 17.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.وأوضح أن الحكومة غطت الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة من خلال السحب من أصول صندوق الاحتياطي العام والاقتراض المحلي وبيع السندات السيادية الدولية.القطاع المصرفي
وقال إن القطاع المصرفي الكويتي "بقي متينا" وفقا لبيانات الربع الثاني من العام الحالي، مشيرا الى التباطؤ الطفيف في النمو الائتماني، مع تسجيل الكفاية الرأسمالية للبنوك معدلات مرتفعة بلغت 18.3 في المئة ومعدلات ربحية قوية مقارنة بالعائد على الأصول الذي بلغ 1.1 في المئة.وذكر أن نسبة القروض غير المنتظمة شهدت انخفاضا لتصل الى نحو 2.4 في المئة، في حين ارتفعت نسبة تغطية المخصصات للقروض غير المنتظمة الى ما يفوق 200 في المئة.وأشار الى أن الأداء كان مختلطا للقطاعات التي تنكشف عليها البنوك بدرجة كبيرة، حيث شهد نشاط قطاع العقار تباطؤا كبيرا على مدى السنوات القليلة الماضية، مما أدى إلى ارتفاع طفيف في القروض غير المنتظمة الممنوحة لوحدات هذا القطاع، وكان النمو في التسهيلات الائتمانية المقدمة لقطاع العقار مدفوعا أساسا بالقروض المقسطة المضمونة بالراتب والتي لها سجل مخاطر أقل.الاحتياجات التمويلية
وذكر أن إجمالي الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة يبقى "كبيرا"، إذ إنه بموجب السيناريو الأساسي فإن الموازنة العامة (شاملة مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة، وباستبعاد دخل الاستثمارات الحكومية) ستسجل "عجزا ماليا سنويا" بنحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المالية الخمس المقبلة.وأوضح أنه سينتج عن تلك العجوزات احتياجات تمويلية تراكمية إجمالية بنحو 100 مليار دولار، وستستمر تغطية هذه العجوزات من خلال إصدارات محدودة من الاقتراض المحلي والاقتراض الخارجي والسحب من أصول صندوق الاحتياطي العام.وقال انه برغم أن السيناريو الأساسي سيؤدي إلى تراجع رصيد المصدات المالية الذي توفره أصول صندوق الاحتياطي العام المتاحة، فإن إجمالي الأصول الأجنبية التي تديرها الهيئة العامة للاستثمار ستواصل الزيادة بالقيمة الاسمية.ورأى أن دولة الكويت "لاتزال معرضة لعدد من المخاطر المحتملة الداخلية والخارجية، إذ يمكن أن يؤدي انخفاض أسعار النفط على المدى المتوسط إلى زيادة العجز واحتياجات التمويل، مما يجعل الحكومة عرضة للتحولات في توجهات أسواق المال العالمية".وأضاف انه في حال تراجع إقبال المستثمرين على سندات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يمكن أن تواجه الكويت في هذه البيئة المفاضلة بين إصدار المزيد من الديون المحلية التي تؤدي لمزاحمة الائتمان المقدم للقطاع الخاص أو السماح للمصدات المالية المتوافرة بالانخفاض.اسعار النفط
وذكر أنه في حال استمر الارتفاع الأخير في أسعار النفط، فإنه يشكل مخاطر، رغم أن ذلك قد يقابله انخفاض في الإنتاج عما هو مفترض حاليا بموجب اتفاق منظمة أوبك في حال تم تمديده.وأشار الى أن "المخاطر الأمنية المتزايدة في المنطقة والبيئة الجيوسياسية المتقلبة يمكن أن تؤثر في الثقة والاستثمار والنمو".وبين أن المخاطر الرئيسة على الصعيد المحلي تتمثل في احتمال تأخير الإصلاحات وتنفيذ المشاريع الذي يمكن أن يترتب عليه نمو أقل وعجز مالي أكبر.وأوضح الصندوق ان مكاسب النمو المحتملة من الإصلاحات المالية والهيكلية "كبيرة"، في حين أن التكيف المالي قد يضعف آفاق النمو غير النفطي على المدى القصير.وأشار الى أن السيناريو التوضيحي لبعثة الصندوق يرى أن التصحيح المالي والإصلاحات الهيكلية المقترحة قد يؤديان بعد 10 سنوات الى رفع قيمة الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير النفطية بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المئة فوق قيمته ضمن السيناريو الاساسي على ان تؤدي تلك الاصلاحات إلى تنويع اقتصادي اكبر.قاعدة ضريبية
وأكد ضرورة "تنويع قاعدة الإيرادات العامة، مع تعزيز الإدارة الضريبية لبناء قاعدة أوسع للايرادات غير النفطية"، مضيفا أنه "من المهم إدخال ضرائب جديدة وخطط لإعادة تسعير الخدمات الحكومية، وذلك في ظل القابلية المرتفعة جدا للإيرادات العامة للتأثر بتقلبات أسعار النفط".وأضاف أن ذلك يستلزم تقليص عجز الموازنة العامة (بعد استقطاع مخصصات صندوق الأجيال القادمة، واستبعاد دخل الاستثمارات) من نحو 17.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية (2016 -2017) لنحو 9 في المئة بحلول عام 2022.وذكر أنه رغم أن التدابير الاخرى لتنويع الايرادات العامة ستساعد على تحقيق هذا الهدف، فإن الجزء الأكبر من الجهد الإضافي يأتي من تقليص الإنفاق الجاري، معربا عن دعم بعثة الصندوق أهدافا أكثر طموحا لإعادة تسعير الخدمات الحكومية.وأضاف أن الإصلاح الذي يهدف إلى توسيع قاعدة ضريبة دخل الشركات لتشمل جميع الشركات العاملة في الكويت سيساعد على تعزيز الإيرادات غير النفطية، مع تحقيق تكافؤ الفرص والقيام بالإصلاحات الهيكلية للموازنة العامة لمعالجة الجمود في الإنفاق الجاري والحد من الهدر.وقال إنه "رغم ذلك تبقى فاتورة إجمالي الدعم والتحويلات ضخمة"، مضيفا أن "الدعوم والتحويلات غير الموجهة تؤدي للمبالغة في الاستهلاك والتخصيص غير الكفوء للموارد، بما يعود بالنفع على الميسورين أكثر من المحتاجين".وأشار الى ضرورة النظر عند تخطيط الموازنة العامة (متوسط الأجل) في المخاطر المالية الناشئة عن العجوزات الاكتوارية المحتملة لصناديق التقاعد وتعزيز التنسيق مع المؤسسات المشاركة في تنفيذ الخطة الإنمائية.وذكر أن البعثة أيدت "النهج المتوازن" للسلطات الكويتية في تمويل عجز الموازنة العامة وتعزيز الأطر المؤسسية والقانونية ذات الصلة، بغية مواصلة تحويل المخصصات لصندوق احتياطي الأجيال القادمة في الوقت الذي يتم فيه إصلاح وضع الموازنة العامة.تمويل العجز
وأفاد بأن استراتيجية تمويل ذلك العجز تتكون من الاقتراض المحلي المحدود لتجنب مزاحمة الائتمان المقدم للقطاع الخاص وإصدار السندات الدولية والسحب من صندوق الاحتياطي العام، بما يسمح للحكومة بالحفاظ على مصدات مالية لمواجهة الصدمات، مع الاستفادة من شروط الاقتراض المواتية وعوائد أعلى نسبيا على أصول صندوق احتياطي الأجيال القادمة.وأضاف أن البعثة أشارت الى انه "على المدى الطويل، ومع زيادة تنويع الاقتصاد، فإن منافع زيادة مرونة سعر الصرف قد تزداد".وعن حماية الاستقرار المالي، أفاد البيان بأن "النظام المصرفي يخضع للتنظيم الحصيف، إذ إن (المركزي) سباق في تعزيز الإشراف والرقابة التنظيمية، حيث تعمل البنوك وفقا لضوابط بازل 3 لرأس المال والسيولة والرفع المالي، كما يطبق المركزي مجموعة شاملة من التدابير التحوطية الكلية للحد من المخاطر النظامية".وأضاف أن البعثة رحبت بالعمل المتواصل الذي يقوم به "المركزي" لمراجعة نطاق سياسته التحوطية الكلية ومراجعة أدواتها للمحافظة على التوازن بين استباق تراكم المخاطر وتضييق نمو الائتمان، لافتا الى أن إنشاء لجنة للاستقرار المالي تضم جميع أصحاب المصلحة المعنيين سيساعد في هذا الشأن".وذكر أن البنوك تتميز بالقدرة على التكيف مع مختلف سيناريوهات اختبارات الضغط، بما في ذلك صدمات تطول الائتمان والسيولة والسوق، معربا عن ترحيب البعثة بالمبادرات الجارية لتحديد الضغوط الناشئة، مع التوصية لبنك المركزي على إجراء اختبارات الضغط العكسية كأداة تكميلية.الحاجة إلى مزيد من الجهود
أكد التقرير الحاجة إلى مزيد من الجهود الطموحة لجعل الموازنة العامة أقرب الى المستويات التي تتسق مع اعتبارات الإنصاف بين الأجيال، إذ إنه ووفقا لتقديرات البعثة سيكون عجز (فجوة) الموازنة العامة غير النفطي أعلى من الرصيد الذي يتسق مع اعتبارات الإنصاف بين الأجيال في مجال المحافظة على المستويات المعيشية المرتفعة.وبحسب التقرير، قدرت البعثة تلك الفجوة بنحو 18 في المئة من الناتج المحلي غير النفطي بحلول عام 2022، مما يتطلب مزيدا من الإصلاحات لتقليص هذه الفجوة لضبط أوضاع المالية العامة، وتقليل الاحتياجات التمويلية والمحافظة على المصدات المالية السائلة والحد من الزيادة المتوقعة في المديونية الحكومية.انخفاض انكشاف البنوك على الاستثمار
ذكر التقرير أن سوق الأسهم شهد انتعاشا منذ وقت مبكر في العام الماضي، إلا أنها استمرت بشكل متقلب، في حين شهد انكشاف البنوك على شركات الاستثمار انخفاضا ليصل إلى نحو 2 في المئة من إجمالي القروض.السيطرة على فاتوة الأجور والمرتبات
اعتبر التقرير أن السيطرة على فاتورة الأجور والمرتبات أمر بالغ الأهمية لتعزيز التكيف المالي ونمو القطاع الخاص وخلق فرص العمل، مضيفا انه «على السلطات الكويتية أن تتبنى تنفيذ برنامج إصلاح شامل للمرتبات والأجور، بهدف تبسيط وانسجام هيكل المرتبات والأجور، وتعزيز التعويضات القائمة على المهارات المتكافئة وإعادة تنظيم التعويضات في القطاعين العام والخاص لتعزيز الاتساق بينهما.وأكد أن هذه الإجراءات ستولد وفورات مالية، وتساعد على تعزيز الحافز لدى المواطنين على النظر في فرص العمل في القطاع الخاص، ودعم القدرة التنافسية لهذا القطاع، وتسهيل تنويع الاقتصاد على نحو يعظم مشاركة المواطنين.