متى قدّم "أول مسؤول كويتي" استقالته للحكومة أو للحاكم، من "منصب رسمي رفيع"؟ وما السبب؟

لم يقع هذا في زمن الشيخ عبدالله السالم أو الشيخ مبارك الصباح خلال القرن العشرين! بل حدث في بداية القرن التاسع عشر عام 1810م- 1225هـ، كما تشير إلى ذلك المراجع التاريخية، والتي يؤكدها كذلك هامش ص27 من كتاب الشيخ محمد بن محمد بن عبدالرحمن العدساني الذي قامت بتحقيقه الأستاذة "عائشة بنت محمد صالح بن عبدالوهاب العدساني"، مع صورة المخطوط بعنوان "عدة الناسك لأداء المناسك"، وموضوعه مناسك الحج، مع فصل فيه ترجمة لحياة المؤلف، ويقع الكتاب في 186 صفحة. وتبين ترجمة الشيخ العدساني "أن نسب الشيخ يرجع إلى عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه، وموطن عائلته الأصلي الحجاز، ثم نزحوا إلى الأحساء، وكان منهم القضاة والعلماء ونساخ المخطوطات".

Ad

وجاء في ترجمة المحققة الأستاذة عائشة أن المخطوطة هي النسخة الوحيدة المتوافرة بخط الناسخ، وقد ذكر الناسخ أن الشيخ شافعي المذهب- مذهب عائلة العدساني- وكويتي الموطن وقرشي النسب، "يرجع نسبها إلى عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع العلم أن قلة قليلة من الأشخاص في الماضي تعرف هذا النسب، وذلك لتخوف العائلة من الاغتيالات، خاصة أن أحد أجدادهم كان أميرا على المدينة المنورة وتم قتله". ويبين الهامش أن القتيل كان محمد بن مسلم بن عقيل، وقد قتله ابن أبي الساج، كما جاء في كتاب "عمدة الطالب في نسب آل أبي طالب" (ص37).

حول بدايات القضاء في تاريخ الكويت تعدد في الرأي، كما يبدو مثلا من تاريخ عبدالعزيز الرشيد وكتاب عبدالله الحاتم "من هنا بدأت الكويت"، وهناك جدل تاريخي فيما إذا كان الشيخ محمد ابن فيروز، العالم الأحسائي المعروف، هو أول من تولى القضاء في الكويت، وأنه توفي فيها عام 1722، إذ يعتبر عبدالله الحاتم هذه المعلومة "رواية مغلوطة". وتقول مصادر أخرى إن القاضي في بدايات القرن التاسع عشر كان رجلا من "آل عبدالجليل"، ثم تنازل عن ذلك المنصب عام

1170هـ - 1756م للشيخ محمد بن عبدالرحمن العدساني.

تولى الشيخ محمد صالح العدساني القضاء الكويتي بعد أن ترك والده الشيخ محمد بن محمد العدساني، المترجم له، القضاء. والقاضي محمد صالح العدساني هو الذي اعتزل القضاء عام 1225هـ - 1810م وإن كان قد تولاه مرتين

(1793- 1810) و(1813- 1818).

وتقول الباحثة إن سبب الاعتزال كان لخلاف نشب بينه وبين العالم الحنبلي الشيخ علي بن عبدالله الشارخ حول صيام الثلاثين من شعبان، حيث غمّ الهلال وصعبت رؤيته، فأفتى الشيخ الحنبلي ابن شارخ بوجوب الصوم، وخالفه العدساني الشافعي في ذلك. "فالعدساني يرى عدم جواز الصيام إلا بالرؤية أو اكتمال شعبان ثلاثين يوما، كما في الحديث الشريف".

وتضيف الباحثة عن تطور الخلاف أن الأمر رُفع إلى "الشيخ عبدالله بن صباح" الذي وقف إلى جانب الشيخ علي بن شارخ، وقدم العدساني استقالته، وبعد وفاة القاضي علي بن شارخ، عاد القاضي العدساني للقضاء مرة أخرى، وقد تكون للرواية تفاصيل أخرى، ولكن ما جرى يدل على استقلالية القضاء عن "السلطة التنفيذية" في مرحلة مبكرة من تاريخ الكويت، وأن الاختلاف وما نجم عنه، كان من إرهاصات "حرية التعبير"، مهما كانت المبررات المذهبية للخلاف! وتظهر موافقة الحاكم على عودة العدساني بعد استقالته، روح التسامح والاعتدال في العلاقة بين السلطتين.

ويقول المؤرخ الرشيد إن القاضي علي بن شارخ "اشترط على الحاكم أن يسمح له بالاتجار شهرين في السنة فأُعطي، وكان أول أعماله أن أحرق أكواخا كان يأوي إليها كثير من أهل الفساد، ثم أسس في موضعها المسجد المعروف بمسجد آل مديرس". (طبعة قرطاس، ص71).

ويشيد الباحث د. خليفة الوقيان في كتابه الشامل عن بدايات الثقافة في الكويت باهتمام الكويتيين بنسخ المخطوطات وبعض الأصول التراثية ومنها "موطأ الإمام مالك" و"التيسير على مذهب الشافعي"، ولكن كتاب د. الوقيان لا يشير إلى كتاب "عدة الناسك لأداء المناسك" لقاضي الكويت محمد بن محمد العدساني.

ويذكر من المخطوطات الشافعية "فتح الرحمن في التحذير من شرب الدخان"، من تأليف "الشيخ أحمد ابن الشيخ عبدالله العوضي الشافعي الكويتي"، وقد طُبعت هذه الرسالة في بغداد في عام 1344هـ- 1926م. فلعل الباحث الكريم د. الوقيان يضيف هذه الرسالة، بعد أن نالت اهتمام التحقيق، إلى الجهد الثقافي الكويتي.

وتجدر الإشارة هنا إلى مسألة أخرى في كتاب "عدة الناسك لأداء المناسك"! فالمخطوط يتناول "مناسك الحج"، والفقهاء كما هو معروف مختلفون في أركان الحج، كما يوضح كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة" لعبدالرحمن الجزيري، وهو كتاب في خمسة مجلدات طُبع مرارا.

ويقول الكتاب في مجلده الأول إن أركان الحج أربعة: "الإحرام، وطواف الزيارة أو طواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة". وهذه الأركان لو نقص واحد منها بطل الحج، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: إن له ركنين فقط، وهما الوقوف بعرفة ومعظم طواف الزيارة، والسعي بين الصفا والمروة واجب لا ركن. والشافعية قالوا: "أركان الحج ستة وهي الأربعة المذكورة وزادوا عليها ركنين آخرين هما إزالة الشعر، ويشترط أن يكون ذلك بعد الوقوف بعرفة... إلخ". (جـ1 ص577).

ولكن هل زيارة المدينة وقبر الرسول من أركان الحج؟ تقول الموسوعة الفقهية الميسرة"، د. محمد رواس قلعة جي، 2000 "تُستحب زيارة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قبره للسلام عليه، لقوله "من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي"، وقوله "من زار قبري وجبت له شفاعتي". ومن المعروف أن زيارة القبور، ووجود القبور أو الدفن داخل المساجد، ومسائل الشفاعة، حولها جدل طويل ونصوص متعددة بين المسلمين والمذاهب، مما لا مجال ولا حرية للاستطراد في شرحه! كما عُرف في التراث السلفي القديم والحديث موقف متشدد من بعض ممارسات الحجاج وزوار المدينة التي لا يرى الآخرون فيها، خارج السلفية، ما يتعارض مع تعاليم الشريعة.

وقد تطور الاختلاف من مجرد جدل فقهي إلى عمل عسكري في القرن التاسع عشر! وتقول المراجع إنه "في سنة 1804 استولى الوهابيون على البلدة ونهبوا كنوزها ومنعوا الحج إلى قبر محمد (صلى الله عليه وسلم) وفشلت محاولة لهدم القبة القائمة فوق القبر، ولكنهم حملوا الكنوز الكثيرة من اللآلئ والمجوهرات... إلخ، التي كان الزوار الأتقياء يقدمونها، ولم ينجح "طوسون"، وهو ابن والي مصر "محمد علي"، في استرجاع البلدة- أي المدينة المنورة- إلا في سنة 1813، وفي اتفاقية الصلح عام 1815 اعترف "عبدالله بن سعود" بالسيادة التركية على الأماكن المقدسة بالحجاز". وتقول الموسوعة نفسها عن المدينة: "ليس بالمدينة حرم كالكعبة يقدسه الناس منذ أقدم العصور، ومن جهة أخرى فيها المسجد الذي يضم قبر محمد (صلى الله عليه وسلم) وتزوره أعداد لا حصر لها من الحجاج، وزيارة المسجد ليست فرضا مثل الحج إلى مكة، كما أنه يمكن القيام بها في أي وقت".

(الموسوعة الإسلامية الميسرة، ترجمة راشد البراوي، القاهرة 1985، ص1005-1007، Shorter Encyclopaedia of islam, H.A.R. Gibb and J.H, Kramers, New York, 1953 وقد أخطأ المترجم في اسم أحد المؤلفين فسماه "كالمرز" بدلا من "كريمرز" في الطبعة الأولى عام 1985 وكذلك في الطبعة الجديدة سنة 2013، غير أن الترجمة جيدة جدا والموسوعة إضافة قيمة للمكتبة العربية.