تكثر أوجه التشابه بين معظم المحللين السياسيين و"ضاربات الودع" في هذه الأيام الرائعة من تاريخ منطقتنا، ما سيؤدي بنا، بفضل تنبؤاتهم وتحليلاتهم، للوصول إلى ذات المحصلة من الفهم والإدراك لما يحيط بنا أو ينتظرنا. فمن يدعي اليوم معرفته ما يجري بقراءة الإشارات، أو ما بين السطور، ليتنبأ لنا بالمستقبل، هو كمن يحاول فهم لغة منقرضة، فلا الإشارات تؤدي أغراضها كما كانت، ولا المكتوب فوق السطور مفهوم، حتى تدعي فهم ما بينها، ناهيك عن قلة إمكانات المحلل و"الكتاته"، وجهله بعلوم وأصول الصنعة من حيث المبدأ، فلا المحلل محلل أصلاً، ولا الضاربة ضاربة أساساً، لكنها غالباً لقمة العيش التي تحدد مسار حياتهم "الاستراتيجي".

فكلاهما يتمتع بذات المؤهلات المجهولة المصدر، التي تتيح له الحصول على دوره أو وظيفته تلك، وكل منهما سيرمي لك بأحجار وكلام "جيواستراتيجي" جديد غالباً لا يدرك معناه، لكنه يعلم أنك ستجاريه، حتى لا تفضح جهلك بما يجهله، والاثنان سيبشرانك بأمر قريب الحدوث يقلب الأمور في "المنظومة" رأساً على عقب، دون تحديد موعد معيَّن، لزوم التشويق "اللوجيستي"، ثم يبحران بك في عالم من الخيال والإبداع "الجيوسياسي"، الذي لن تستطيع أبداً التأكد من مدى صحته، فبعد أن يقبضا مقسومهما لن يتذكر أحدٌ ما قالاه ليسألهما لاحقاً عن عدم تحققه، فهناك دائماً في حياتك وعالمنا العربي العظيم أحداث جديدة تُنسيك ما قبلها، وإن صادف ولقيت أحدهما وسألته، فسيخبرك بأن العيب كان فيك من البداية، لأنك لم تفهم المقصود.

Ad

أعترف هنا بجهلي بكل أنواع "الجيو"، ما يجعلني أقل من أن أدخل في منافسة مفتوحة مع إخوتنا الناشطين والمحللين السياسيين والاستراتيجيين وأدلي بدلوي بالأحداث الجارية، وأتنبأ بمآلاتها، وأعلن توقعات الربح والخسارة مقدماً، كما أني لا أجيد ادعاء الحيادية، ثم أمرر لكم ما أتمناه وأرغب به لمصلحة الفريق الذي أشجعه، أو الجماعة التي أنتمي لها، تحت غلالة من النزاهة والموضوعية المصطنعة. هذا، ولا يمكنني كذلك دس السم في العسل، لأنني بصراحة لا أستطيع التمييز بينهما حالياً، لكني سأقول فقط ما أعرفه ومتيقن منه وفق لغتنا السياسية القديمة التي تربينا عليها، وهو أنه منذ أن خُلقنا وتفتح وعينا ونحن - خصوصاً جيل السبعينيات- في "مرحلة مفصلية من تاريخنا" أدخلتنا في "عنق زجاجة" أودى بنا إلى "منعطف تاريخي" أوصلنا إلى "مرحلة حرجة" أدت بنا إلى "مفترق طرق" سيوصلنا إلى "شفير الهاوية"، ما لم ننتبه "لمخططات الأعداء" الذين "سنرميهم بالبحر" يوماً ما، بعد أن "نختار نحن زمان المعركة ومكانها"، وحتى ذلك الحين عيشوا حياتكم، واشربوا قهوتكم الصباحية، ومن ثم اذهبوا لتخليص معاملاتكم العالقة في أروقة وزارة الشؤون أو البلدية على الأقل، ولا تربطوا حياتكم اليومية وتصدعوا رؤوسكم مع كل هذا "الفال" الاستراتيجي "المخبوص" على مر الأزمنة.