نحن مقدمون على تشكيل الحكومة الخامسة والثلاثين منذ الاستقلال، وهي حكومة أزمة. ويبدو أنها لن تكون آخر حكومات الأزمات، ومن الواضح أن سمو رئيس الوزراء يمر بوضع صعب جداً في تشكيل هذه الحكومة تحديداً، لأسباب عديدة قد نذكرها لاحقاً. إشكالية تشكيل الحكومات، بحاجة إلى نهج مختلف لا يبدو أنه سيتحقق في المدى المنظور، مما يعني أن حالة الجمود لن تنفرج.

لم يدخل مصطلح "حكومة" أو مجلس وزراء في الحياة السياسية إلا في وقت متأخر. كان المجتمع السياسي أكثر بساطة وأقل تعقيداً مما هي عليه الحال الآن.

Ad

قبل الاستقلال سنة ١٩٦١ بفترة وجيزة برزت حاجة "مؤسسية" لتطعيم مجلس الشيوخ الأعلى بعدد من أفراد الشعب، وأطلق عليه مصطلح "المجلس المشترك"، ليكون شكلاً متطوراً لمجلس الوزراء، مع التباس المصطلح، وضعفه المؤسسي. فالأمر حينها كان لايزال بيد صاحب الأمر، أمير البلاد تنفيذياً وتشريعياً، وغير ذلك.

كانت أول سلطة مركزية يطلق عليها "مجلس الوزراء" هو ما تم تشكيله في المرحلة الانتقالية. كان رئيس الوزراء حينها، هو الأمير نفسه. فما إن صدر الدستور في ١١ نوفمبر ١٩٦٢ (والذي تأتي ذكراه الخامسة والخمسون بعد أربعة أيام) حتى صارت هناك قيود جديدة على التشكيل الحكومي، فالحكومة لا يتجاوز عديدها ١٦ شخصاً، بينهم واحد منتخب على الأقل، وأن يتم تشكيلها بعد أسبوعين من الانتخابات العامة لمجلس الأمة، كما صار هناك مجلس أمة منتخب له أن يسأل ويستجوب ويطرح الثقة ويناقش القضايا العامة.

التشكيلة الأولى للحكومة اللاحقة بوجود مجلس الأمة في ١٩٦٣، مع تعيين رئيس وزراء متفرغ للمهمة، لم تصمد طويلاً، حيث طالتها الاستقالات، وهكذا حدثت الأزمة الأولى في مسألة التشكيل الوزاري. وبالتالي تم تشكيل حكومة جديدة في أواخر ١٩٦٤، وهنا كانت المفاجأة، حيث انسحب أكثر من ٣٠ عضواً من جلسة أداء القسم بالنسبة للوزراء الجدد، ليمنعوا استكمال الإجراءات الدستورية. وعلى أثر ذلك سقطت الحكومة، وهي الأزمة التي اشتهرت باسم أزمة المادة ١٣١ من الدستور، وكان من تداعيات تلك الأزمة استقالة رئيس مجلس الأمة عبدالعزيز الصقر، رحمه الله. تلك الأزمة تحتاج شيئاً من التفصيل لاحقاً لأهميتها. كان الشيخ عبدالله السالم حينها خارج البلاد، وقام رئيس الوزراء برفع خطاب للأمير، يطلب فيه حل مجلس الأمة إلا أن الأمير لم يوافق على حل المجلس، لمعرفته بتفاصيل الأزمة، وطلب إعادة تشكيل الحكومة التي وافق عليها المجلس.

استخدم الشيخ عبدالله السالم باقتدار بيت الشعر المشهور للشاعر الجاهلي الأفوه الأودي:

"تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت فإن تولت فبالأشرار تنقاد".

وظل يكرر ذاك الشطر عدة مرات، ويشير بإصبعه إلى الحاضرين من نواب ووزراء.

يبدو أن تلك الإيماءة ومعناها مازال قائماً حتى يومنا هذا، وللحديث بقية.