يقوم البرلمان الحقيقي بدورين أساسيين هما دور تشريعي ودور رقابي، إذ في حالة فقده لأي منهما أو لكليهما فإنه لا يطلق عليه صفة برلمان يُمثّل إرادة الأمة، بل إنه يصبح جهازاً شكلياً وعبئاً إضافياً على المال العام، ويشبه في هذه الحالة "ركن المتحدثين" في حديقة "الهايد بارك" اللندنية الذي تحوّل مع الوقت إلى ما يشبه المنتزه الأسبوعي لعامة الناس.

ففي عصر كل يوم أحد من كل أسبوع يأتي إلى هذا المكان من يريد أن يقول رأياً حاداً من دون محاسبة، فينتقد بكلمات قاسية من يشاء سواء كبار المسؤولين في الدولة أو رؤساء دول خارجية، وعندما ينتهي من كلمته يذهب حيثما يشاء، من دون أن يكون لكلمته النارية وانتقاداته اللاذعة أي معنى أو أثر على أرض الواقع!

Ad

وبالنسبة إلى واقعنا المحلي فإن الممارسة السياسية تؤكد أنه من النادر جداً أن يُقرّ المجلس أي قانون ما لم توافق عليه الحكومة المُمثلة في المجلس بحكم الدستور، على الرغم من أن أعضاءها غير منتخبين، وهو ما يُهمّش الدور التشريعي للمجلس ويجعله خاضعاً لإرادة الحكومة، وحيث إن أعضاء الحكومة يشاركون في عملية التصويت أثناء انتخاب مكتب المجلس وجميع اللجان المتخصصة فإن ذلك يُضعِف، بشكل كبير، الدور الرقابي للمجلس.

وفي هذه الحالة لا يتبقى من الدور الرقابي سِوى أداة الاستجواب التي بإمكان عضو واحد أن يستخدمها، ولكن ذلك يواجه، على الدوام، رفضاً حكومياً قاطعاً، بل مطالبة بتعطيلها مع أن ذلك يعتبر طلبا غير دستوري، هذا ناهيك عن عملية الالتفاف على نتائج الاستجواب إن لم تعجب الحكومة، لذا فإنها أصبحت ضعيفة الأثر بالنسبة إلى عملية محاسبة الوزراء، والرقابة الفعلية على أعمال الحكومة مثلما ذكرنا في مقالات سابقة. إذاً، في الواقع العملي، هنالك خلل واضح في الدورين التشريعي والرقابي للمجلس، وهو ما يحتاج إلى إصلاح يكون جزءا من حزمة إصلاحات سياسية وديمقراطية حقيقية، أما إذا ما تم تعطيل أداة الاستجواب كأداة رقابية دستورية راقية، وتحصين رئيس الحكومة وأعضائها من المساءلة العامة مثلما يطرح بعض الأعضاء في المجلس الحالي، فإن ذلك يعتبر تعليقاً لمادة دستورية، فضلاً عن أنه يُفقد المجلس قيمته كمؤسسة دستورية تُمثّل إرادة الأمة (برلمان) ويحوّله إلى جهاز صوري، أو مكان قريب الشبه من "ركن المتحدثين" آنف الذكر!