يزداد الوجود البحري الصيني انتشاراً ببطء، ومعه بدأت تتجلى تدريجياً الخطوط العريضة لائتلاف غير محكم يهدف إلى وقف هذا الانتشار، فقد أعلن وزير الخارجية الياباني تارو كونو أن طوكيو ستقترح إعادة إحياء الحوار الأمني الرباعي (مبادرة تعاون دفاعي عام 2007 شملت أيضاً الهند، أستراليا، والولايات المتحدة) خلال زيارة ترامب اليابان في الخامس إلى السابع من نوفمبر، وتشير بعض التقارير إلى أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون حض الهند على المشاركة خلال زيارته الأخيرة إلى نيودلهي، كذلك أطلقت الهند واليابان تمارين حربية مضادة للغواصات، وتفيد وسائل الإعلام الهندية أن محادثات رباعية ستُعقد هذا الشهر على هامش قمة شرق آسيا في الفلبين.

ولكن هل يحقق الحوار الأمني الرباعي المعاد إحياؤه نجاحاً أكبر من سلفه الفاشل؟

Ad

للتوضيح، ما زال حلف "ناتو" آسيوي مستبعداً، ولا شك أن العقبات المألوفة ستعوق تطوره حتى لو كان الهدف إنشاءه: صحيح أن اليابان، والهند، وأستراليا خصصت استثمارات كبيرة للتحديث البحري، إلا أنها لا تملك كلها القدرة على الإسراع لدفاع إحداها عن الأخرى في حال نشب صراع كبير في شمال شرق آسيا أو في حوض المحيط الهندي. كذلك لا يرغب أي طرف من هذه الأطراف في الانجرار إلى صراع لا دخل له فيه. نتيجة لذلك سيعتمد مرةً أخرى أي ائتلاف بحري قوي اعتماداً كبيراً على الولايات المتحدة (التي لا تزال القوة البحرية العظمى الوحيدة) بغية سد الفجوات والاضطلاع بالأدوار الصعبة، وفي المقابل، تبقى هذه الدول الثلاث خائفة من أن تستفز أي رد فعل اقتصادي أو محلي أو أن تجد نفسها مكشوفة نتيجة إنشائها ائتلافاً هشاً.

يشكّل اعتماد اليابان على واردات الطاقة عبر مضيق ملقا حافزاً كبيراً يدفعها تدريجياً إلى التخلي عن ضوابطها الدستورية التي تحد من قدراتها العسكرية الهجومية، وتعزيز مساعدتها الأمنية لدول جنوب شرق آسيا، وتدعيم انتشار السفن الحربية اليابانية الأكثر انتظاماً في مرافئ جنوب شرق آسيا. على نحو مماثل، تعتمد الهند على تدفق التجارة الحر عبر هذه المياه وتسعى للتوصل إلى طرق تواجه بها وجود الصين المتنامي في حوض المحيط الهندي. أما أستراليا، فتُعتبر أقل اعتماداً من الدولتين الأخريين على بحر الصين الجنوبي وملقا في تجارتها. ولكن بما أنها أمة-جزيرة نائية يرتكز اقتصادها ارتكازاً كبيراً على التجارة البحرية، تعتمد اعتماداً كاملاً على الولايات المتحدة لضمان تلك التجارة، ونتيجة لذلك حاولت أستراليا تاريخياً أن تثبت قيمتها في تحالفها مع الولايات المتحدة بمشاركتها بحماسة في المبادرات الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة، مهما كانت بعيدة، ولا شك أنها ستكون في مياه جنوب شرق آسيا في موضع جيد نسبياً يتيح لها دعم العمليات المحتملة من الجنوب.

ولكن إذا تورطت الولايات المتحدة في صراع غير متوقع واستُنفدت قواها إلى حد عجزت معه عن السيطرة على المياه نحو الجنوب، فستُضطر عندئذٍ اليابان، والهند، وأستراليا إلى ملء الفراغ.

قد يقتصر إطار العمل الرباعي هذا على الحوار، ولكن مع بدء تعمّق التعاون عبر هذا الائتلاف المقترح، لا يُعتبر خوض المحادثات الأهم، فالأكثر أهمية القوى الكامنة التي تدفع أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة إلى الاستعداد لاحتمال مواجهة أيام حالكة.

* «فيليب أورشارد»