المواطن الصحافي مصطلح انتشر مع ظهور "السوشيال ميديا" التي جعلت من أي شخص يمتلك هاتفا ذكيا مصورا ينشر أخباراً ومواطنا صحافيا.

المواطن الصحافي لم يدرس أخلاقيات المهنة، وحتى من درس أخلاقيات المهنة امتهن بعضهم ما يسمى بالصحافة الصفراء في ظل ازدهار الصحافة الورقية آنذاك، وهي التي تقدم مواد فضائحية متسمة بالإسفاف والابتذال لمعرفتهم بتوق الناس إلى هذه الأخبار حتى إن كانت غير حقيقية.

Ad

ومن هنا أصحبت هناك مئات الحسابات الإخبارية عبر "السوشيال ميديا" تعتمد على مواد صورها المواطن الصحافي، وتلك الحسابات غالبا لا تتحرى الدقة لأنها تبحث عن الإثارة لجذب الجمهور للوصول إلى "الترند"، وهو المصطلح الجديد في عالم الأخبار في وسائل التواصل الاجتماعي، ويعني "الأكثر مشاهدة وانتشارا".

هوس المواطن الصحافي لتحقيق أكبر نسبة مشاهدة جعلته يخسر أخلاقه، فبات يصور الحادث دون أن يساعد، ويبحث عن الفضيحة لينشرها، ويجد فقيرا يحتاج مساعدة فيكتفي بتصويره للاستهزاء به، والأمر يمتد أحيانا إلى أن يفقدوا إنسانيتهم تماما فقط من أجل تصوير ما يمكن أن يحقق لهم نسبة مشاهدة عالية!

الأمر الذي جعل العامل والموظف والمراجع بكل جنسياتهم وطبقاتهم الاجتماعية يتحولون في لحظة معينة من يومهم إلى مواطنين صحافيين، يوثقون أي شيء وينسبونه حسب أهوائهم أو أهواء الحسابات التي ستنشر المادة، فتقوم بوضعها غالبا في إطار مثير للفتن ليتجادل الناس وتصبح حكايتهم لأيام.

في خضم هذا الوضع الفوضوي بات المواطن الصحافي يشعر بمدى انتشار مادته المبتذلة، الأمر الذي جعل الناس لا يتدخلون في فض نزاع بل يلجؤون إلى التصوير فورا.

الهواتف الذكية والسوشيال ميديا جعلت البشر يبحثون عن مادة رخيصة للنشر؛ معرضين الذوق العام للانحطاط، وإقبال الناس عليها زاد الطين بلة.

الناس باتت تفقد فضيلة الستر والتستر على الفضيحة، وكل شخص يعتبر نفسه في موضع محاسبتهم لا يستوعب أن الفرق بينه وبين من تم تصويره أنه حتى هذه اللحظة محظوظ لأن شخصا ما لم يلتقط له فيديو وهو يعنف شخصا آخر، كأن يتعارك مع موظف وغيره من الحوادث اليومية التي تحدث دائما.

قبل أن تصور أي شخص في موقف حرج تخيل نفسك مكانه، أو ابنك مكانه، أو ابنتك مكانها، أو زوجتك مكانها، الشجار شيء وارد منذ قديم الأزل، ولكن كانت الناس تهدئ النفوس وتحاول فض الشجار، واليوم باتوا يقفون ساكتين واضعين هواتفهم كسيف في وجه شخص لا يعرفونه فحكموا عليه بالإعدام دون سابق معرفة حتى!

قفلة:

نستطيع جميعنا الاشتراك في الحد من ظاهرة نشر الفضائح من خلال عدم نشرها، وإعدام أي مادة فضائحية من هاتفك دون تداولها، كل ما يتطلبه الأمر فعل بسيط وهو ألا تعيد النشر حتى تعود للناس أخلاقها مرة أخرى، وتحية لجميع الذين حافظوا على أخلاقهم الحميدة ولم ينشروا أي فضيحة.