لدينا إمكانات مادية وبشرية فريدة من الممكن، في حالة توافر الإرادة السياسية وتوظيفها بالشكل الصحيح، أن تجعل الكويت مثالاً يحتذى به في المنطقة، فلدينا دستور، رغم بعض أوجه القصور، يحدد شكل نظام الحكم الديمقراطي وطريقة ممارسته، وبالإمكان تطويره، كما ينص، لمزيد من الحرية والمساواة، ولدينا ميناء مهم في موقع جغرافي مميز، ولدينا طاقات بشرية متعلمة ومُدربة، وثروة مالية هائلة، وعدد سكان قليل ومتجانس اجتماعياً لدرجة كبيرة، فما سبب تراجعنا التنموي والديمقراطي يا ترى؟

السبب هو اختلال موازين القوى في غير مصلحة التقدم الاجتماعي-الاقتصادي، إذ إن هناك قوى اقتصادية-اجتماعية متنفذة ترى أن الدولة الدستورية الحديثة، التي وضع أسسها الدستور، تقلص من سُلطتها ونفوذها، وبالتالي، تضر مصالحها، لذا فإنها ما زالت متمسكه، إلى حد كبير، بالشكل التقليدي لإدارة الدولة السائد قبل صدور الدستور الذي حدد، رغم مثالبه، شكل نظام الحكم بأنه نظام ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، وبيّن، بشكل عام، اختصاصات السلطات العامة وطبيعة العلاقة بينها.

Ad

ومع مرور الوقت وتغير الظروف، استطاعت القوى التقليدية بحكم نفوذها السياسي وقوتها الاقتصادية توسيع تحالفها السياسي، إذ انضمت إليها قوى جديدة بعضها كانت في السابق، أي أثناء إعداد الدستور وبُعيد صدوره، من مؤيدي الدولة المدنية الدستورية الحديثة، وذلك بحكم طبيعة مصالحها في تلك الفترة.

على هذا الأساس، فمن الظلم وعدم الإنصاف تحميل المواطنين الذين لا سلطة لهم سبب تراجعنا، فالمسؤولية على قدر السلطة كما هو معروف، وهناك قوى سياسية واجتماعية تملك السُلطة والثروة والنفوذ، وهي، لذلك، المسؤولة عن حالة الفساد المؤسسي، والتراجع التنموي والديمقراطي لأنها ترفض التطور الديمقراطي باتجاه دولة المواطنة المتساوية، أي الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وتعتبر الدستور مجرد حبر على ورق تستخدمه وقت الضرورة من أجل ترسيخ سيطرتها السياسية والاقتصادية إلى أقصى مدى ممكن، مع أن التراجع التنموي والديمقراطي يستنزف موارد الدولة وطاقات المجتمع، ويجعلنا متخلفين عن العالم الذي يتطور باتجاه الدولة المدنيّة الديمقراطية العصرية التي تحقق العدالة الاجتماعية، رغم بعض التعرجات المؤقتة.

وعلى أي حال، فمهما فعلت القوى المحافظة والرجعية، فإنها لن تستطيع الاستمرار للأبد، أو العودة بالمجتمع عقوداً إلى الوراء، كما أنه لن يكون بمقدور أي قوى سياسية منفردة، مهما بلغت قوتها في لحظة تاريخية معينة وقف عجلة التاريخ، أو مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تتعاظم من حولنا يوماً بعد آخر.