هل أصبحت حياتنا السياسية مملة وخالية مما هو جديد إلى هذه الدرجة؟ الاستجواب الأخير كان يبدو أنه سيكون هو وغيره حالة مكررة لا جديد فيها إلا بعض التفاصيل، كتغيير الوزير، وتغيير المستجوبين، وتبقى النتائج ذات النتائج، لا إصلاح، لا تطور، لا تحسن ينعكس على الخدمة العامة. الانتقاد هنا موجه للنظام السياسي وليس للأشخاص فهم يعملون ويتحركون وفقاً للقواعد الحاكمة. ولا يمكن الخروج من هذه الدائرة المغلقة إلا بعملية إصلاح جذرية.

هل صار نظامنا السياسي يعاني عجزاً فاضحاً، لدرجة أن العملية السياسية صارت مكررة بتفاصيلها؟

Ad

بالطبع يمكن القول إن الاستجواب حق مكفول للنائب، وهو ليس إلا سؤال مغلظ، ولكن هل يكفينا هذا؟ أم أننا صرنا نواجه أزمة في المنهج وربما المنطق، وصرنا مملين لا جديد فينا، وكل ما نقوم به متوقع؟ بالطبع هذا يشمل الطرفين، حكومة ومجلساً، نواباً ووزراء. الحكومة من جانبها، تتعامل باستفزاز مع النواب، كما أنه صار معروفاً عنها كيف تتحرك. فهي إما أن تلجأ إلى "تضبيط" بعض النواب للحصول على أصوات من هنا وأصوات من هناك، فطرح الثقة فرصة للمساومة، أو تدوير الوزير أو استقالة الحكومة وإعادة التشكيل أو حل المجلس وإجراء انتخابات جديدة. ما الجديد في هذا؟! وقد تم تجريب كل البدائل، بما في ذلك الحل غير الدستوري. وحتى عندما استأثرت السلطة بكل الصلاحيات وألغت مجلس الأمة كما في ١٩٧٦ و١٩٨٦ لم يجن البلد إلا المآسي. المسؤولية بطبيعة الحال لا تقع على النواب وحدهم لكنها تكمن في حالة انسداد سياسي وترهل في أساليب العمل. كم من استجواب انتهى إلى طرح ثقة وطار الوزير، فهل تحققت أهداف الاستجواب؟ وكم من استجواب اكتفى بوضع توصيات دون طرح ثقة، فكم من تلك التوصيات تم تنفيذها؟ في دراسة سابقة اتضح أن تلك التوصيات في أحسن حالاتها يتم تنفيذ من ١٥ إلى ٢٠ في المئة منها فقط. الأزمة تعبر عن حالة انسداد سياسي، نعيد إنتاجها مرات ومرات، والسؤال المطروح، ألا تصابون بالملل من تكرار ذات الأزمات حتى في أدق تفاصيلها. يتعمد وزير هنا أو هناك استفزاز نائب ما، ولا يجيب عن أسئلته مثلاً أو لا يمرر معاملاته، بينما يمرر معاملات نائب آخر، فيبدأ النائب بالتحرك ضد الوزير، وحالما تصل المسألة إلى مرحلة تقديم استجواب تبدأ الحكومة بعد أصوات مؤيديها ومعارضيها، هذا في حالة كونها ستقف مع الوزير ولن تتخلى عنه في اللحظة الحرجة، كما حدث عدة مرات، بل وجدنا حالات وزراء يقفون ضد زميلهم المستجوب. حالما تبدأ الساعة في الدق، وربما قبل ذلك بكثير، يتحرك عدد من الشيوخ أصحاب المصلحة في إسقاط ابن عمهم، وتنشغل وسائل الإعلام التقليدية، أو عبر وسائل "التناحر الاجتماعي"، بالضرب تحت الحزام لحساب هذا أو حساب ذاك. وحالما تبدأ معالم السقوط في الظهور، وحالما يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض، تبدأ تحركات، ويغادرنا الوزير دون نتيجة تذكر. يغادرنا وتظل الأوضاع البائسة لوزارته أو مؤسساته على حالها، وينفض الجمع على افتراض أن حدثاً إيجابياً قد وقع، وهو ليس كذلك.

بدون البدء برؤية جديدة شاملة للتغيير في إطار النظام الدستوري، فإننا سنظل في حالة إعادة إنتاج للتردي والتراجع والجمود.