في المقال السابق ذكرنا أن نتيجة الاستجوابات أصبحت مُكرّرة إلى درجة مُملّة، ففي ظل المعادلة السياسية الحالية التي ازداد فيها خلل موازين القوى في غير مصلحة تطور النظام الديمقراطي، وتهميش المؤسسات الدستورية بعد أن حُولت إلى مؤسسات صورية، فإنه لن يترتب على الاستجوابات، مع أهميتها كأداة رقابة دستورية في الوضع السياسي السليم، أو على أداء المجلس عموماً، عملية مراجعة جادة للنهج السياسي، ومحاسبة حقيقية، وإصلاح سياسي شامل، وهو الأمر الذي أدى إلى استنزاف طاقات المجتمع وأمواله العامة في صراعات، وصفقات، ومناورات سياسية تدور جميعها حول «مشروع حكم» وليس «مشروع دولة دستورية مدنية ديمقراطية»، كما أدى ذلك إلى اهتزاز ثقة المواطنين عامة، والشباب خاصة، بالمنظومة السياسية ومؤسسات الدولة.

لقد باتت مخرجات العملية السياسية الحالية معروفة مقدماً، فالآن، كما في المرات العديدة السابقة، ستستقيل الحكومة، ثم يعاد تشكيلها مع بقاء النهج السياسي ذاته، وربما يتم حلّ المجلس، مثلما حصل قبل عام فقط من الآن، والدعوة لانتخابات جديدة على النظام الانتخابي السيئ نفسه (عُشر صوت فقط لكل ناخب وليس صوتاً واحداً كاملاً لكل ناخب كما تنص القاعدة الديمقراطية المعروفة)، وسيأتي مجلس آخر لا يختلف عن سابقه من ناحية المضمون المؤسسي، وإن تغيرت بعض الأسماء، وهذا معناه استمرار المعادلة السياسية ذاتها بجميع معطياتها، والتي تؤدي، في كل مرة، إلى النتيجة عينها، فما الفائدة، يا ترى، من تكرار تجربة سياسية مرات عدة مع أن نتائجها الفاشلة معروفة سلفاً؟!

Ad

أليس من الأجدى، للدولة والمجتمع، إصلاح المعادلة السياسية الحالية المُختلة بحيث تكون البداية بتشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس برنامج مدني-ديمقراطي، وذلك بعيداً عن نظام المحاصصة السياسية المُعتاد، على أن يكون من ضمن أولوياتها إقرار نظام انتخابي ديمقراطي عادل يتم التوافق عليه وطنياً، وهدفه الأساس هو توسيع قاعدة المشاركة السياسية في صنع السياسات، واتخاذ القرارات العامة، وتطوير نظامنا الديمقراطي على قاعدة «أن السيادة للأمة، مصدر السلطات جميعاً»، مثلما تنص المادة (6) من الدستور، على أن يتزامن مع ذلك إقرار قانون تنظيم العمل السياسي وإشهاره على أسس وطنية، كما تنص المادة (43) من الدستور، بدلاً من إعادة تجارب سياسية فاشلة، والدوران في حلقة مُفرغة؟