أم البنين زوجة الوليد بن عبدالملك، اشتُهرت بجمالها الأخاذ، فتشبب بها وضاح اليمن شعراً، في أثناء موسم الحج:

قرشية كالشمس أشرق نورها ببهائها

Ad

راقت على البيض الحسان بحسنها ونقائها

أحبها الشاعر، لكنه كان يعرف أن الوصول إليها يعني أنه قد سلم رقبته إلى الجلاد، ولكن حبه لها أفقده صوابه:

إلى أم البنين متى يُقرِّبُها مُقرِّبُها

أتتني في المنام فقلت هذا حين أعقبها

• فلما بُلّغ الخليفة بهذه الأبيات، وغيرها من غزل أكثر فحشاً، اشتد غضبه وأمر بقتل الشاعر وضاح اليمن، لكن ولده عبدالعزيز هدّأ من روعه وقال له:

- لا تفعل يا أبت، فإنك إن قتلته تكون بذلك قد حققت ما قاله، أو صدقته.

- والعمل؟

- افعل ما فعله معاوية بالشاعر أبو دهبل.

- وماذا فعل معاوية؟

- أحسن إليه وقربه، فاستحى من نفسه، ثم كتب شعراً يكذّب فيه نفسه فيما كتبه وقاله من قبل.

• فما كان من الخليفة إلا أن استدعى وضاح اليمن إلى دمشق، وأكرم وفادته، تماشياً مع خطة أن يتراجع عما قاله من شعرٍ في أم البنين، ويكذّب نفسه، لكن الشاعر بدلاً من هذا قال:

إني تهيجني إليك حمامتان على فنن

الزوج يدعو إلفه فتطاعما حب السكن

فاعصي الوشاة فإنما قول الوشاة هو الغبن

• وكانت وصيفة أم البنين قد دبّرت كل السبل كي تلتقي سيدتها بحبيبها في دمشق.

وبينما هما في خلوتهما يوماً دخلت الوصيفة مصفرة الوجه تخبر سيدتها بأن الخليفة قادم إلى غرفتها.

- وضاح أحسب أن أحداً سيدخل علينا الآن.

- كيف أخرج؟

- لن تخرج حتى لا يراك القادم.

- وما العمل؟

- اختبئ في هذا الصندوق.

• فلما دخل أمير المؤمنين كانت أم البنين جالسة على الصندوق تمشط شعرها:

- يا أم البنين ما أكثر الصناديق في هذه الغرفة!

- تجمع حوائجي كلها يا أمير المؤمنين فأتناولها كلما أريد.

- هل لي بصندوق من هذه الصناديق؟

- كلها تحت أمر مولاي أمير المؤمنين.

- لا أريدها كلها، بل أريد واحداً منها فقط.

- خذ ما شئت يا مولاي.

- هذا الذي تجلسين عليه.

- خذه يا مولاي.

- بوركت يا أم البنين.

- ولكن ألا تمهلني يوماً واحداً حتى آخذ ما بداخله؟

- سنعوضك بالدرر والجواهر عما فيه.

• كتب المؤرخون أنه بعد أن أهيل التراب على الصندوق ودُفن قال الخليفة:

- يا هذا إنه قد بلغنا شيء إن كان حقاً فقد كفّناك ودفنا ذكرك وقطعنا أثرك، وإن كان باطلاً فإنا دفنا الخشب، وما هو أهون من ذلك.

• وهكذا دفُن أجمل الشعراء وسامةً وأرقهم شعراً.