أكتب هذا المقال قبل أن تنتهي مرافعة المستجوبين للوزير محمد العبدالله، لكن ما سأكتبه لا علاقة له بالاستجواب ومحاوره وما طرح أو سيطرح فيه من قضايا وردود، بل جزئية مهمة استوقفتني في جملة ضمن سياق مرافعة النائب عبدالكريم الكندري لتدعيم رأيه وحجته في مرافعته، وهي الجملة التالية بتصرف محدود مني "المستشارين الوافدين سيكيفون الرأي حسبما تريدون على عكس الكويتيين إذا وجدوا شبهة فساد سيقولون لا"، وما يعنيني في هذه العبارة هو الشطر الثاني منها تحديدا.

إلى متى نكذب على أنفسنا وندعي المثالية والنقاء؟ إلى متى وأسلوب ختام مسرحيات طارق العلي هو السائد رغم عدم واقعيته؟ متى سنكون صريحين مع أنفسنا قبل صراحتنا مع الرأي العام، ونشير إلى الخلل لنتمكن من معالجته والتعاطي الموضوعي معه؟

Ad

من الذي اختلس الناقلات وتلاعب بالاستثمارات في عز المحنة؟ من الذي ساهم أو كان يضمر الشر وينوي ترويع الناس داخل الكويت؟ من الذي اختلس أموال التأمينات ويعيش بنعيم في الخارج؟ من الذين حاولوا التآمر وزعزعة الأوضاع داخل الكويت ويعيشون في الخارج اليوم؟ من الذي أوقف الرياضة الكويتية؟ من الذي يزرع الفتنة الطائفية والقبلية داخل الكويت؟ من الذي أزكمت أنوفنا تلاعباته بالعلاج بالخارج ليكبد الدولة مئات الملايين؟ من هم الذين تضخمت حساباتهم البنكية بعد وصولهم إلى مجلس الأمة؟ ومن ومن ومن؟

هؤلاء كلهم كويتيون يمارسون أبشع أنواع الفساد بمختلف ألوانه وأشكاله، وكلها قضايا مثبتة وتمت إدانة مرتكبيها، فلماذا الكذب؟ ولمصلحة من هذه اللوحة الوردية القبيحة؟

إن هذا الطرح غير الحقيقي هو سبب رئيس لتراجعنا وانحدارنا، فبدلا من المواجهة وإيجاد الحلول نلجأ إلى ألطف العبارات وقعا على الأذن، ونصور الكويتيين كل الكويتيين بأنهم ملائكة.

ولو سلمنا بأن العلة كما ادعى النائب الفاضل عبدالكريم الكندري هي بوجود المستشار الوافد المتلاعب السيئ، طيب من الذي أحضره للكويت؟ إن كان الكويتيون بهذا النقاء فلن يرحبوا أو يجلبوا المتلاعبين من الخارج!!

إن أول سبل الإصلاح هي تقويم الذات، وهو الأمر الذي نتعمد الابتعاد عنه في سبيل عدم جرح مشاعر الناس، معتقدين أننا بذلك نساهم في علاج مشاكلنا وحلها.

قضيتي غير متعلقة بالفاضل عبدالكريم الكندري فقط، ولكن العبارة المزعجة وردت على لسانه اليوم، وهي عبارة يرددها الكثير من الساسة والنواب أيضا مراعاة لمشاعر الملاك الكويتي.

لا يا سادة نحن لسنا بملائكة، وأخطاؤنا كثيرة كلّفتنا التراجع والانحدار، وتكذيب الواقع لن يزيدنا سوى انحدار وفساد، فابتعدوا عن تلك الأطروحات الحالمة، وكونوا واقعيين.