يستضيف غاليري «ضي» راهناً معرضك الـ42 «وطن المسرات والنعم»، ماذا عنه؟

للمرة الأولى أعنون معرضاً لي باسم لا يرتبط بالموضوع أو الفكرة، كما كنت أفعل سابقاً، ولكني أعطيته معنى أوسع بعض الشيء، وسألت: الأرض والفن، أيهما الوطن؟ واخترت في النهاية الفن فهو الملاذ الذي أجد فيه السعادة والنعم والمسرات. ولكن ليس معنى هذا أنني انفصلت عن الواقع الحقيقي الذي أعيش فيه، لأنه أحد الأسباب التي دفعتني إلى أن أنتج هذا الكم. ولوحات هذا المعرض تشير إلى المناخ الذي نعيش فيه سواء الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي وتأثيره فينا كمواطنين وهذا أمر طبيعي. من ثم، أنا على المستوى الشخصي مهموم بالمواطن. نعم لدينا مشاكل وهموم وهواجس، ولكن في الوقت ذاته لدينا آمال وأحلام ونتمنى أن نحققها، ولأن تحقيقها يتطلب وقتاً طويلاً وصبراً فنضطر إلى أن ننتظر إلى أن يتحقق ذلك، وكي لا أستسلم لهذا الواقع بهمومه وهواجسه أعيش اللحظة السعيدة بالفن، لذا أطلقت على المعرض «وطن المسرات والنعم».

Ad

ولكن هل ثمة علاقة بين أعمالك بتكويناتها المتنوعة وموضوعاتها المختلفة وبين العنوان؟

العنوان انعكاس لذلك. كل لوحة أو مجموعة تمثّل حالة نفسية وإنسانية مختلفة. هي متنوعة المساحة والحجم، لكن لها مرجعيات ومصادر وروافد من قلب البيئة المصرية، من وحي التراث والفكر والخيال والأحلام وطفولتي الشقية. في أعمالي حالة من اللعب بالمفهوم الإبداعي على مسطح اللوحة، لأني عندما أعمل أنسى عمري ومكاني كمعلم أو فنان وأطلق روحي وإحساسي، وأتّحد مع نفسي والعمل.

ما الفرق بين معرضك الحالي «وطن المسرات والنعم» وبين معرضك السابق «الرسم بين الخيال والكلمات»؟

كان معرضي السابق «الرسم بين الخيال والكلمات» حصاد 30 عاماً من الرسم الصحافي، فهو حالة نوعية مختلفة تماماً، عرضتها باعتبارها مرحلة مهمة وعندما وضعت اللوحات في أطر أصبحت عملاً مهماً لا ينفصل عن عملي كتشكيلي. يرتبط الرسم الصحافي بنص سواء مقال أو رواية، فقد رسمت معظم روايات صالح مرسي عن الجاسوسية ومن بينها «رأفت الهجان» و«سامية فهمي» و«زهرة الشمس»... إلخ، وهو عالم فن الجماهير. أما المعرض الحالي فهو فن للفن.

عالم النحت

ماذا عن تجربتك في النحت، ولماذا لم تتخصص في هذا المجال حيث قدمت معارض مهمة سابقاً؟

لا أستطيع القول إني أقدم نحتاً بمعنى الكلمة بل هو تشكيل نحتي. كانت البداية في أوائل التسعينيات في قاعة «أكسترا»، حيث أقمت معرضاً كبيراً بكابلات الضغط العالي، ثم وجدت نفسي أهتم بإعادة جمع والتقاط بقايا الخشب الذي تستغني عنه مصانع الخشب وأعيد صياغتها وقدمت منها معرضاً في قاعة «الباب» بالأوبرا عبارة عن تصاميم نحتية، وأعتبرها تجربة نحتية رائدة لم يتناولها أي فنان في مصر بشهادة نحاتين كبار. كذلك قدمت فكرة جديدة لمعالجة مفهوم النحت الميداني.

لا أستطيع التخصص في مجال النحت لأني رسام بالدرجة الأولى، أعشق الفرشاة واللون والقلم والحبر. ولكن لا يمكنني الاستغناء عن إعادة تدوير الأشياء، وهذا يعود إلى طبيعة عملي في بداية حياتي بشركة بترول أبو رديس كميكانيكي سيارات، وتعاملي مع المحركات والأدوات. كذلك عندما كنت جندياً في «الصاعقة» تعاملت مع بيئة مفتوحة وانفجارات وألغام. هذه المفردات والأدوات كلها وسائط تعبير، وأنا أعشق التشكيل بيدي.

معارضك متقاربة فهل تحرص على العرض بشكل دوري؟

أستهل موسم العرض. عندما أرسم لا يكون في ذهني إقامة معرض، ولدي رصيد كبير من الأعمال التي لم تعُرض.

فنان حر

هل تشعر بانتمائك إلى مدرسة أو اتجاه فني معين؟

لا أنتمي إلى أي اتجاه أو مدرسة، وهو أحد أهم ملامح ما بعد الحداثة. يصعب على الفنان أحياناً أن يصنف نفسه. عندما أُسأل عن تصنيف اتجاهي أجد نفسي في حيرة كبيرة، فقد مارست التجهيز والنحت والتصوير والرسم، وأعمل بكامل الحرية. أنا فنان حر، يجد المتلقي في لوحتي تجريداً وتشخيصاً ورموزاً، وأحتفي بالأشكال وعالمي مفتوح ولا تحدّه حدود. أصنف الفنان الذي أكتب عنه في حين أعجز عن تصنيف نفسي.

هل لديك ثيمة أو مشروع فني معين تعمل عليه؟

من المفترض أن يكون للفنان مشروع تشكيلي. ولكن ثمة مثلاً فنان لديه اهتمام بالطبيعة فتصبح مشروعه، وآخر يعتمد على التراث بروافده وتنوعاته القبطية والإسلامية، وفنان يعمل على رافد الحداثة ما بعد المعاصرة فيعتمد على الفكر والمخيلة والخبرة. ليس لدي مشروع محدد لأني أعمل بحسب مزاجي والرغبة الملحة في الإبداع. من ثم، أشتغل في مجالات وتقنيات مختلفة، والفضاء لدي مفتوح. أنا كالطائر خارج السرب، أفضل أن أكون مختلفاً، ومساحة التفكير والحُلم لدي متسعة جداً. ما دمت صادقاً مع نفسي فكل روافد ومحفزات الإبداع تكون نابعة من الوطن. لا أقتبس شيئاً من الخارج لا أجامل أصحاب الغاليريهات أو النقاد. أنا صانع تاريخي وأسطورتي، وغيري من الفنانين الجادين ممن ينتمون إلى الحداثة وما بعدها.

ما هي رؤيتك للمشهد التشكيلي الراهن؟

لست متفائلاً. لدينا في واقع الأمر نشاط فني جيد، ولكن عندما نتحدث عن الحركة التشكيلية لا بد من أن نذكر الاستثمار والصناعة وسوق الفن وحركة المقتنين وبورصة الفن. حركة البيع والشراء والرواج غير موجود تقريباً. بالنظر إلى النشاط الفني، نجد هواة وأنصاف هواة كذلك فنانين متميزين، ورغم أن تعداد مصر اقترب من المئة مليون فإن عدد قاعات العرض محدود وميزانية الدولة في الاقتناء ضئيلة والاهتمام بالمعارض شبه معُدم، فضلاً عن أن الفن الجاد ليس له زبائن كثيرة في مصر، فالذائقة الفنية محدودة وهو ما تؤكده متابعة الفضائيات أو الصحف التي تهتم بإتاحة فرص عرض الفن التشكيلي. كذلك تقلصت منافذ الكتابة في هذا المجال، ونجد أن تمثيل مصر في الخارج تراجع بل أصبح قائماً على مجهود الفنان الشخصي، ما من شأنه أن يسبب الإحباط والحزن للفنان.

لمسات فنية

ينتمي الفنان رضا عبدالسلام إلى جيل السبعينيات الفني، وهو يرى أن الأربعينيات حتى السبعينيات مرحلة مهمة شهدت تأسيس المفهوم الكلاسيكي والتقليدي لمجالات الفن التقليدية النحت والرسم والتصوير والخزف، مع مطلع الاتجاهات الحديثة في بداية السبعينيات ودخول أجناس أخرى إلى الفن، كالفيديو آرت والتجهيز وتقنيات جديدة كثيرة. هكذا اختلفت الأمور وهي نقطة مهمة، فعندما نبحث اليوم عن المصور بمعنى الملون صاحب اللمسة القوية الواثقة من النادر أن نجد فناناً من الجيل الجديد يخلط ألوانه ويمزجها ويضع لمساته ويتقن أداءه، لأنه يرى أن اللوحة تقليدية وأصبح نفسه قصيراً، ويضيف: «كان جيلنا وما زال يحترم المساحة، والكانفا، والورقة والتقنية، والأداء والإتقان، ويحب الإحساس الذي تعبر عنه اليدان والعينان. بالطبع، لا أقلل من الاتجاهات الجديدة، فأنا أزاولها بناءً على خبرة وقاعدة متينة، وما زلت أعتبر أن الرسم مهم جداً لأي فنان، وعندما أسعى إلى الانتقال إلى مجال جديد أعتمد على ثقافتي وخبرة السنوات الماضية. لذا نجد أن جيل السبعينيات موجود على الساحة بقوة، والأجيال الجديدة عندما تؤسس مرجعيتها يكون ذلك من خلال الجيل القديم».