أقمت معرضاً في غاليري «فا» بالكويت بعنوان «حكايا شبُر». حدثنا عن بعض هذه الحكايات.

الرواية والقصة والشعر أجناس وبنُى متقاربة من الفن التشكيلي. من ثم، أرى أن الحكاية أدّت دوراً بالنسبة إلى أبناء جيلي في الستينيات. أعشق الحكايا التي تنقلني من عالم مضطرب وغير مستقر إلى عالم أطمئن من خلاله إلى السكينة والهدوء والحكايات الملونة بالجمال والحب وسبُل السعادة. أنتمي إلى المدرسة التعبيرية أو الترميز بالأشياء الموجودة في اللوحة، وأحاول ذلك من خلال الشخصيات أو الألوان أو بنائية اللوحة. من هنا، أخذت مفردات تكاد تكون مشتركة بين العراق والكويت ومن بينها حكايات المرأة بنماذج مختلفة، والرجل الذي أنهكته الحروب أو المعارك... وأعتقد أنني وفقت في دخولي إلى الكويت بطريقة سلسة من خلال هذه الحكايا التي نالت احتفاءً من الجمهور والفنانين والصحف الكويتية.

Ad

هل ترى أن ما رسمته من لوحات حتى الآن استوعب حكاياتك أم أن الأخيرة ما زلت بحاجة إلى المزيد؟

متى انتهت الحكايات انتهت الحياة، لأننا نحن أبناء مجتمع وزمان، كلما كانا متحركين كانت الحكايا متحركة ومتنقلة ومستمرة وفيها فرح وحزن وتحمل الانطباعات السائدة في حياة الإنسان. لا تزال الحكايات تضم خبايا كثيرة وثمة أمور قابلة للطرح بشكل حقيقي، فضلاً عن أن الذاكرة مليئة بالحوادث التي تؤثر في المتلقي.

إلى الأمام

استضاف غاليري «آرت سبيس» في لبنان معرضك «إلى الأمام» وفيه استخدمت الرمزية كالإشارات المرورية على الطرق السريعة. هل كنت تشير إلى الدمار في العراق؟

من دون شك كانت علامات الخراب الموجودة على القطع المرورية في المعرض إشارة إلى الخراب الحقيقي الذي عمّ البلد، وأعتبر هذا المعرض شاهداً على منجزي الجمالي الذي عملت عليه منذ 30 عاماً، فقد تخرجت في معهد الفنون الجميلة عام 1985، لذا أعتبره نقطة انعطاف وتحول في التفكير والرؤية، وتضمن 15 عملاً، 9 قطع حديد أحضرتها من بغداد و6 لوحات، للمزاوجة بين الفن المعاصر وبين السطح التصويري، وأعتقد أنني وفقت بهذا المعرض الذي احتفت به الصحافة.

أسست أخيراً غاليري للفن التشكيلي في بيروت، ماذا عنه وما الدافع إلى تأسيسه؟

أردت لهذه النافذة الجديدة أن تكون متنفساً للفن التشكيلي، حيث تشارك مجموعة من الفنانين الراغبين في عرض نتاجهم ومنتجهم الجمالي في هذه المدينة النابضة بالحركة التشكيلية بشكل يكاد يكون متميزاً على مستوى المنطقة، ولا أرى أي تعارض بين تأسيس غاليري وبين عملي كفنان تشكيلي.

الجذور

تنتمي إلى عائلة فنية ذائعة الصيت فوالدك شاكر نعمة. ما تأثير ذلك فيك ولماذا اخترت اسماً مختلفاً عن العائلة، هل هو نوع من التمرد؟

انتمائي إلى هذه العائلة أمر مصيري أتشرف به، ولكن أن يكون الفنان جزءاً من عائلة فنية فهو سلاح ذو حدين، لأنه أحياناً عندما يكون اسم الأب طاغياً في المجال الفني يصبح اختراق الابن هذا الوسط تجربة مبنية على أعمال الأب، من ثم يغبُن حق الفنان. لذا حاولت الابتعاد عن اسم والدي من خلال استخدام اسم العائلة «شبُر» كي أستقل في خطابي البصري والرؤى التي أطرحها.

أما عن تأثير العائلة الفنية في تكويني فهو كبير. ولدت في مرسم كبير بأدوات رسم لمحترفين. اعتاد والدي أن يعهد إلي بتنظيف المرسم بعد انتهاء عمله فكنت أتفاعل مع هذه البيئة، كذلك كان يشجعني على الرسم ويؤهلني لاقتحام هذا العالم بجرأة كبيرة. لذا أرى أنني محظوظ بهذا الجانب. كذلك لم أعتبر الفن مهنة بل هو جزء من مفرداتي وممارستي وطقوسي اليومية، وحتى الآن أتعامل معه كهاوٍ، ولكن بحكم الخبرة والدراسة الأكاديمية صرت أعرف أن عملية إخراج العمل الفني تحتاج إلى عقلية محترف ومختص لأن المتلقي يرى العمل كما يُعرض، ومن هنا فهو غير قابل للتبريرات. من ثم، على الفنان عرض العمل عندما يكون انتهى جملة وتفصيلاً من كل ما يخصه وهو مسؤول عنه.

مشتركات فنية

ما الذي يميز الفن التشكيلي العراقي عن غيره من الفنون في الدول الأخرى؟

يتشارك الفن العراقي أموراً كثيرة مع الفن في الدول العربية لأن مرجعياته أوروبية، إذ إن المدرسين في المعاهد من الجيل الريادي تعلموه على أيدي فنانين أوروبيين. ولكن يبقى للبيئة جانب مؤثر في شخصية الإنسان المصري ابن الأهرامات والفراعنة، أو العراقي ابن البيئة السومرية، كذلك ابن المغرب العربي وسورية... ولكن إذا أردنا أن نتحدث عن الفن العراقي تحديداً فنقول إنه تميز بالأساتذة أمثال شاكر حسن آل سعيد، وإسماعيل فتاح، وجواد سليم، وطارق حسن، وضياء عزاوي... الذين ساهموا في تشكيل أجيال تسلمت الرسالة وحافظت عليها كي توصلها إلى المحيط الإقليمي.

وسط ما يشهده العالم من حروب وصراعات هل ما زال للفن التشكيلي مكان؟

الفن ليس حدثاً طارئاً، بل وُجد بوجود الإنسان الأول، وبالنتيجة سيستمر حتى نهاية آخر إنسان على هذا الكوكب. الفن لصيق أو قرين الفكر والدين وهما يستمران مع الإنسان، ولما أطيح بالقيم الجمالية المتعارف عليها قبل مئة عام، فكان التعاقب بالمدارس الفنية وظهور الأسلوبية والتعددية في الطرح.

مكانة الفن التشكيلي العربي

حول مكانة الفن التشكيلي العربي، يقول محمود شبر: «بدأت الوجوه الجديدة تحفر أسماءها بمهارة عالية في المشهد التشكيلي العربي. ثمة أسماء ممتازة ورؤى جديدة تطرح على الساحة بثقل ووعي، ولكن بالنتيجة لا بد من أن نعترف بأن الفن أصبح محاولات فردية، فكل فنان يصنع مجده الشخصي أو الأنا الخاصة به. وخلال السبعينيات والثمانينيات كانت ثمة جهات داعمة ومؤسسات ترعى الفنان، فيما نشهد الآن على صعيد العراق مثلاً ضموراً لهذه المؤسسات، وأصبح كل فنان يحمل على عاتقه هموم هذه الرسالة وإيصالها إلى الآخرين».