قلما يطرق المسرحيون الشباب باب القضايا الاجتماعية في العروض النوعية، فهي منطقة نائية عن اهتماماتهم، لا لشيء سوى لشغفهم الدائم بالأزمات السياسية والأعمال ذات الأبعاد النفسية، لذا نشد على أيدي كل من يذهب في اتجاه تناول هذه القضايا، وإن كانت تلامس في الوقت نفسه خطوطاً سياسية.

فرقة مسرح الشباب السعودية اقتحمت تلك المنطقة، وقدمت عرضا مميزا ضمن فعاليات مهرجان الكويت لمسرح الشباب العربي، مساء أمس الأول، على مسرح التحرير بكيفان، «ليس إلا» عن نص مسرحية «كشتة» للمؤلف الإماراتي عبدالله الرميثي، ومن إعداد وسينوغرافيا وإخراج علي الغوينم. والمسرحية من بطولة عبدالله الفهيد وشهاب الشهاب وحسن الحرز وخالد الهويدي.

Ad

وقبل الدخول في تفاصيل العرض استوقفني حرص المخرج الغوينم على الإشارة لإبراز دور السينوغرافيا وتقديمه على الإخراج، رغم انه يجمع بينهما، ما يعكس إدراكه لأهمية إحدى أدوات المخرج في بناء عرضه، وهو التكوين البصري. وبالفعل وفق الغوينم في تقدم فُرجة، موظِّفاً مجموعة من الأفكار منها استغلال عمق المسرح في الاشتغال على مستويين ليخدم هدف عمله، فكان المستوى الأعلى مسرحا لجريمة القتل، من ثم يهبط الممثلون الثلاثة الى المستوى الأقل لينعزلوا عن العالم، وأيضا توظيف خيال الظل ومسرح الدمى، وكان من الذكاء بحيث انصهرت جميع تلك الأدوات في بوتقة واحدة، ولم تبدُ مقحمة على العمال، وإنما خدمت السياق الدرامي للأحداث.

التفكك الأسري

وتدور فكرة المسرحية حول أثر التفكك الأسري على ضياع مستقبل الأبناء، وكيف يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة إذا ما اتبع هواه، ويحمل العمل في باطنه دعوة للبشر للتغلب على هواجسهم ومخاوفهم والانتصار على الظلام، وذلك من خلال قصة صراع بين عدة أشخاص يفضي إلى قتل احدهم وهروب الباقي، لنرى الأشخاص الثلاثة في مكان ما أشبه بقبو تحت الأرض، وهم السكير والشيخ ومهندس الالكترونيات أبطال المسرحية الثلاثة، وهم: الممثل عبدالله الفهيد، الذي لعب بطولة فيلم «عاطور» المشارك في مهرجان الدمام للأفلام، حيث نجح في جذب انتباه الجمهور سريعاً بأداء دور السكران الساخر من الحياة بشكل عام، فهو يتمتع بخفة ظل وحضور كبير، والممثل شهاب الشهاب الذي درس الكيمياء في الجامعة، لكن هواية التمثيل المسرحي ظلت تسكنه، وهو الذي لعب دور الشيخ، ثم الفنان الشاب حسن الحرز، الذي جسد دورين الأول كمهندس إلكترونيات، ثم دوره كوالدة مغلوب على أمرها.

وتعبر النماذج الثلاثة عن مجموعة من المتناقضات التي يزخر بها أي مجتمع عربي، ولكن في «ليس إلا» أصبحت هذه النماذج أكثر خصوصية، فشاهدنا السكير الذي يحاول الاطمئنان على ابنته المريضة وزوجته، لكن المهندس يمنعه من الاتصال خشية معرفة مكان اختبائهم، ويقوم الشيخ بتوجيه النصائح له ومحاولة منعه عن تناول المنكر، وعندما لا يفلح في ذلك يعتبره شيطانا رجيما.

حاول المخرج عبر تقنية استرجاع الماضي كشف خلفية كل شخصية، معتمدا على مجموعة من الحيل الإخراجية، وبقع ضوء حالت دون تسرب الرتابة إلى المشاهد، لاسيما مع طول الحوارات، فحول الجزء العلوي إلى مسرح عرائس أثناء تذكر السكير لابنته، ولجأ إلى تقنية خيال الظل حينما تحدث المهندس إلى والده الذي كان يريده أن يكون مهندسا زراعيا، في حين جاءت لوحة الشيخ تكشف معاناته في كنف أسرة مفككة بين أب وأم دائمي الخلاف، ولا ينتبهان إلى أن انفصالهما سيؤدي الى ضياع ابنهما الوحيد الذي خرج الى الحياة وتخلى عن حلمه وضاع في غياهب الدنيا.

ورغم وصول الشخصية الرابعة خالد الهويدى الذى حاول أن يمنحهم الأمل والخروج من هذا القبو، فإن الشخصيات الثلاث ظلت أسيرة أحلامها وكوابيسها التي جسدها أيضا المخرج بشكل جمالى محسوس، في صورة أشباح تبدو كتماثيل بيضاء، لكن تحت إضاءة حمراء وموسيقى هادرة، نراهم يتشحون بالسواد ويهاجمون مهندس الالكترونيات ويشنقونه فى صورة كابوس.

قدم الأشباحَ، في شكل استعراضي، كل من عبد الإله المذن وعبدالرحمن العلي وعبد الله الشمري.