ثمة مخاوف تتنامى في أوساط منتجي النفط، لاسيما الخليجيين، من تزايد توجه الدول الصناعية عبر شركات السيارات نحو إنتاج المركبات الكهربائية أو تلك الهجينة، بما يقلل من الطلب على صادرات الخام او البنزين، وبالتالي تراجع الإيرادات البترولية التي تشكل العمود الفقري للإيردات العامة في دول الخليج.

ومع ان هذه المخاوف مستحقة على المديين المتوسط والطويل، خصوصا في ظل اعلان العديد من الدول الاوروبية الصناعية والآسيوية الناشئة خططها الخاصة بالتخلص من السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل خلال 15 الى 25 عاما مقبلة، كبريطانيا والهند وفرنسا، أو عبر التخلص الجزئي في أكثر بلدان العالم طلبا للنفط، وهي الصين، بحيث تكون 8% من مبيعات السيارات الجديدة ما بين الكهربائية والهجينة، او عبر خطة النمسا الاكثر طموحا بمنع بيع السيارات غير الكهربائية بحلول عام 2020، الا ان منطقتنا على المديين القصير والمتوسط تواجه تحديات ذاتية «منا وفينا» أكبر مما تمثله مخاطر التطور التكنولوجي في سوق السيارات، الذي ينعكس سلبا على الاقتصاديات النفطية.

Ad

توسع وحصص

فمنذ إعلان شركة فولفو السويدية لصناعة السيارات أنها تتجه للتخلي عن تصنيع محركات البنزين لمصلحة محركات تعمل على الكهرباء، بدءاً من عام 2019، فضلا عن وجود توجهات مماثلة لشركات اخرى مثل تويوتا وفولكسفاغن ورينو، الى جانب أن الشركة المتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية هي شركة تيسلا الأميركية، ومنتجو الطاقة يبحثون أثر التوسع في صناعة السيارات الكهربائية على استهلاك الوقود، إذ تشير منظمة الطاقة الدولية الى ان نسبة استهلاك وقود السيارات سنويا يشكل 8 في المئة من استهلاك العالم للنفط الخام، ومن المحتمل ان تستحوذ السيارات الكهربائية على نحو ربع هذا الاستهلاك من البنزين بحلول عام 2025.

مصاعب الكهربائية

كما أن حجم سوق السيارات الكهربائية الذي يواجه ايضا مصاعب ارتفاع اسعار الانتاج، وبالتالي غلاء الاسعار للمستهلكين لا يتجاوز حاليا 0.2 في المئة من سوق السيارات عالميا، وحتى مع التوقعات بنموه المتفائل الى 20 في المئة من سوق السيارات العالمي، خلال 25 عاما، فإنه سيظل مرتبطا بحساب أكلاف انتاج الطاقة الكهربائية، مقابل سعر تكرير النفط الخام لمشتقات الوقود والمفاضلة بينهما، فضلا عن صعوبة توفر الامداد السهل من الطاقة الكهربائية في العديد من دول العالم.

تحديات أكبر

ورغم ما يشكله تحدي سوق السيارات الكهربائية للنفط ومنتجيه، خصوصا الخليجيين، فإنه يظل أقل اولوية من تحديات اكبر تواجههم، اهمها تراجع جاذبية النفط التقليدي عالميا، والذي يمكن النظر الى السيارات الكهربائية كأحد عوامله، مع وجود عوامل اخرى اكثر اهمية كتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي في دول الاستهلاك النفطي، لا سيما الاسيوية، واثره السلبي على الايرادات النفطية، الى جانب حيازة المنافس غير التقليدي المتمثل بالنفط الصخري حصةً في اسواق النفط تصل الى 6 في المئة من اجمالي الانتاج في السوق، فضلاً عن المصاعب التي تواجهها «أوبك» في تمديد خفض الانتاج النفطي في السوق الذي من المقرر أن ينتهي في مارس 2018، وهو الذي يحافظ بشكل اساسي على مستويات الاسعار في السوق بشكل مقبول، الا انه يظل ذا مدى قصير، لأنه اجراء طارئ وليس من سياسات سوق النفط المستدامة.

نمو القلق

الأكثر إقلاقاً لدول الخليج من السيارات الكهربائية هو التوسع في اصدار ادوات الدين السيادية، لا لاستثمار اموالها بغرض خلق فرص اقتصادية تدعم الايرادات غير النفطية، وتوفر فرص العمل والعوائد الضريبة وتستقطب التكنولوجيا، ولكن لسداد نفقات الميزانية العامة المكشوفة من العجز المالي السنوي، اذ بلغت اصدارات الديون السيادية في منطقة الخليج نحو 24 مليار دولار في الربع الثالث من العام الحالي. ومن المفيد هنا التأكيد على ان الدخول تحت مظلة الديون السيادية ليس في حد ذاته خللا اقتصاديا، فهي اداة تمويل، والخلل في تحويلها من غرضها الاساسي الى عبء على المالية العامة، فالتعاطي مع الديون السيادية يجب أن يكون على شكل احتياج طارئ لا خياراً لتمويل الميزانية، ويحتاج إلى قدر عالٍ من الحوكمة، وحسن الإدارة.

توسع الديون

مخاطر التوسع في الديون السيادية في اقتصاديات تستخدمها في تغطية عجوزات الميزانية سترتبط بتنامي الدين العام، وبالتالي تراجع القدرة على الاقتراض في سنوات مقبلة، إلى جانب ارتفاع الفائدة على الدين نفسه، وما يرتبط لاحقا بالسحب من احتياطيات الدولة السيادية وآثاره على تراجع القدرة الشرائية للعملة وقيمتها الفعلية، والتضخم والأسعار في السوق واحتمالية العجز عن السداد، كما حدث في العديد من الدول التي استسهلت الاتجاه الى الديون، دون خطط اقتصادية، منها اليونان او بشكل اقرب فنزويلا الغنية بالنفط.

خطط الإصلاح

المطلع على خطط الاصلاح الاقتصادي الخليجية يشعر بمزيد من القلق من ناحية التعاطي الحالي والمستقبلي مع أزمات الاقتصاد، لأنها تركز على الإنفاق الجاري او حتى الاستثماري الذي لا يقدم عوائد اقتصادية او تنموية للميزانية والاقتصاد، ويعتبر تكرارا لسياسات الفورة المالية، فمعظمها لا يخلق أنشطة استثمارية متنوعة توفر إيرادات غير نفطية وفرص عمل، ولا يعيد التوازن إلى التركيبة السكانية، كما أن بها انحرافاً في الإنفاق العام عن خطط التنمية، ولا ترفع نسبة الناتج غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، ولا تنوّع مصادر الدخل.

لا شك أن السيارات الكهربائية تشكل تحديا لمنتجي النفط الذين يعتمدون عليه بشكل اساسي في ايراداتهم وثرواتهم، غير ان سياسات هؤلاء المنتجين الاقتصادية تبدو اكثر خطورة في المدى الاقصر، مما يمكن ان تشكله السيارات الكهربائية على اقتصاداتهم على المدى الأطول.