في موضوع البصمة كان الكل يغني على ليلاه، مجلس الخدمة المدنية أصدر قراره على مقام الضبط والربط، فكثير ممن وافق هواهم هذا المقام كانوا "كورالاً" وراء أوركسترا قرار البصمة الأخير، والأكاديميون والأطباء والمعلمون والنقابات وغيرهم من المعترضين اختاروا مقام اختلاف طبيعة الأعمال، وأيضا وجدوا من يدندن معهم ويردد معهم ذات المقام،

وأخيرا الأئمة والمؤذنون- بعد تطبيق البصمة عليهم- اختاروا مقام "الثقة" ودندنوا عليه كما دندن معهم آخرون رغم نشاز اللحن وتصنيفه لباقي موظفي الدولة تحت خانة "غير أهل للثقة"، وهي خانة لا تعالجها "أگزخانة"* الإنصاف ذاتها

Ad

كونها أتت من مشايخ دين نجلّهم ونحترمهم.

والحقيقة أن "ليلى" التي يغني الجميع عليها لم يكن أداؤها جيدا، ولم يطربنا على مسرحها لا كلمات قرار مجلس الخدمة ولا ألحان الاعتراضات عليه، فالأمر أكبر من ذلك، ويحتاج إلى مناقشة جدوى القرار وتوقيته لنرسو على بر فهم منطقي له.

قرار مجلس الخدمة صوّر البصمة أنها حجر فلاسفة القرارات الذي سيحول تراب البيروقراطية عندنا إلى ذهب تنموي، وهذا غير صحيح، فبصمة الحضور والانصراف مجرد جزء بسيط من مشروع ضبط سوء الإدارة، ويحتاج الأمر إلى قرارات تقيم الموظف حسب الإنجاز لا حسب بصمة الإبهام، يحتاج الأمر أيضا إلى غربلة الإدارات وإزالة العقبات التي تعترض سير العمل بها، سواء في الدورات المستندية الماراثونية أو في تفشي الواسطة والمحسوبية، أو الفساد الإداري إن صح التعبير، وقرار البصمة الذي يبشرنا مجلس الخدمة بأنه فارس القرارات الذي "راح يجيب ذيب التسيب من ذيله" هو مجرد "دون كيشوت" يحارب بعبثية طواحين هواء كل ما ذكرته في السطور أعلاه.

أيضا التوقيت كان غير مناسب بالمرة، فمجلس الخدمة يعلم قبل غيره أن البلاد ولظروف إنشاءات البنية التحتية الحالية تعيش زحمة بمعدلات تجعل عقارب ساعاتنا مجرد سلحفاة تزحف على أرضية الدقائق والثواني، هذا الأمر يجب مراعاته، فالموظفون مجرد بشر لهم طاقة معينة، ولا يمتلكون أجنحة يطيرون بها ليتفادوا الوطيس الحامي لمعركة ذات زحمة التي تدور حاليا.

التوقيت مهم جداً، فقد قال الأولون إن أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع، وإن كان مصدرو قرار البصمة لا يعترفون بهذا فليحاولوا أن ينزلوا من برجهم العاجي مرة، ويخوضوا معنا معمعة الزحمة كما نخوضها كل صباح ومساء، وما بينهما من رابعة النهار، فليجربوا إيصال أبنائهم إلى المدارس، ثم التوجه إلى أعمالهم في ظرف ساعة أو نصف ساعة للسلام على "البصمة هانم" قبل أن تقفل بابها بضبة التأخير ومفاتيح الخصومات، أتمنى منهم خوض التجربة ولو لمرة وأنا واثق أنهم سيبصمون بدورهم، وبالعشر أن صوت الآنسة "ليلى" نشاز على مقياس ٩ ريختر.

* (أگزخانة = صيدلية)