غير معروف السبب الحقيقي لتمسك مسعود بارزاني بإجراء "الاستفتاء" الذي أجراه في إقليم كردستان العراقي، والذي فاز بأرقام فلكية، مع أن كل أصدقائه وأصدقاء شعبه الحقيقيين، إن دولاً وإن شخصيات لها مكانتها الدولية، نصحوه بعدم الإقدام على هذه الخطوة، التي ستكون عواقبها وخيمة طالما أنه لا يوجد إجماع كردي عليها، ومادام الإيرانيون والأتراك بدأوا تحريك دباباتهم في اتجاه حدود هذا الإقليم، وأيضاً طالما أنه حتى الأميركيون، ومعهم كل الدول الأوروبية المؤثرة والفاعلة، طالبوا بعدم الذهاب بعيداً في هذا الاتجاه الذي سيكون مكلفاً!

إن الذين يعرفون هذا الزعيم الكردي، الذي قضى فترة طويلة من حياته في الجبال كمقاتل في قوات "البيشمركة" التي شكلها والده الملا مصطفى بارزاني في وقت مبكر، أي بعد لجوئه المكلف مع بعض أنصاره إلى الاتحاد السوفياتي، بعد انهيار جمهورية مهاباد التي كان رئيس أركان قواتها العسكرية، يعرفون أنه ليس مغامراً، وأنه رجل دولة من الطراز الرفيع، وأن واقعيته دفعته إلى الاستنجاد حتى بصدام حسين، عندما احتل الإيرانيون في بدايات تسعينيات القرن الماضي، بالاشتراك مع قوات حليفهم جلال الطالباني، مدينة أربيل، عاصمة مشروع دولته، وحيث بات واضحاً أنهم إن حققوا هدفهم فإنهم سيصلون إلى دهوك وأيضاً إلى زاخو، على معبر الخابور، على الحدود العراقية – التركية.

Ad

فما الذي حصل يا ترى حتى يلجأ مسعود بارزاني إلى هذه الخطوة المكلفة التي كان واضحاً جداً أنها ستكون مغامرة مكلفة...؟ هل الأميركيون والروس أيضاً قد وعدوه، إن ليس بمباركة هذا "الاستفتاء" فبالسكوت عليه، ثم أخلفوا وعدهم، أم أنه لم يكن يتوقع أن يتفق الأتراك والإيرانيون على موقف واحد رافض لهذا التحدي الذي إن نجح فإن عدواه ستنتقل إلى أكراد إيران وأكراد تركيا، الذين يشكلون معاً الكتلة الرئيسية لأبناء هذه الأمة الكردية، التي ها هو الحاضر يظلمها مجدداً كما ظلمها الماضي، عندما أعطت مسطرة "سايكس – بيكو" للعديد من أمم وشعوب هذه المنطقة دولاً "ذات سيادة" صغيرة وكبيرة، وتركتهم مجرد فرق حسابات بين هذه الدول الناشئة... والقديمة؟!

لقد كان مسعود بارزاني يعرف أن حزب الاتحاد الوطني، الذي هو حزب جلال طالباني، ومعه ما يسمى مجموعة "التغيير" وفوقهم برهم صالح وجماعته، سيتخلون عنه حتى وإن هم لم يجرؤوا على مواجهة خطوته هذه ورفضها فهؤلاء جميعاً باتوا يرفضون الزعامة البارزانية لأكراد كردستان العراق، وهم كانوا ومازالوا ينتظرون فشل هذه الخطوة للتخلص من هذه الزعامة التي كانوا يقبلونها أو يسكتون عليها في مرحلة حرب العصابات وقواعد الجبال، لكنهم عندما أصبحت هناك دولة غنية لها بترولها ونفطها، كما للآخرين في الدول المجاورة والبعيدة نفطهم وبترولهم، فإنهم بادروا إلى التخلي عن ولائهم السابق هذا، ووجدوا أن الفرصة أصبحت سانحة للتخلي عن هذا الإرث القيادي التاريخي.

والسؤال هنا في النهاية هو: هل يا ترى زعامة الكرد البارزانية قد غربت شمسها بالفعل، وأن خطوة "الاستفتاء" هذه جاءت بمنزلة ضربة قاضية لهذه القيادة...؟ والجواب بالنسبة لي: لا أبداً... فالقيادات لا تصنعها أحداث مرحلية قد تكون عابرة، والبارزانيون غير طارئين في هذا المجال كغيرهم... إن زعامتهم إنتاج تراكمات تاريخية وخلال عشرات السنين من الكفاح المضني وعيش الجبال... وعشرات السنين من التشرد ومواجهة ظروف لا تتحملها حتى رواسي الجبال!