قدمت وزارة الثقافة والرياضة القطرية مسرحية «همس الكراسي»، في أول العروض بالمسابقة الرسمية لمهرجان الكويت لمسرح الشباب العربي.

هل حان الوقت لتخرج الكراسي عن صمتها المطبق، وتهمس في زمن المتناقضات، بما شاهدته من صراعات وحروب ونفاق وحكايات عشق لم تكتمل؟ سؤال فلسفي وجودي طرحه أبناء الدوحة، من خلال عرضهم «همس الكراسي»، الذي مثَّل قطر في المسابقة الرسمية لمهرجان الكويت لمسرح الشباب العربي، وعُرض أمس الأول على مسرح التحرير بكيفان.

Ad

العمل من تأليف أحمد المفتاح، وإخراج فيصل رشيد، وبطولة: مشعل الدوسري، فهد القريشي، محمد عادل، محمد المطاوعة، عبدالله الملا ومحمد الملا.

حالة من القلق والترقب والحزن والفرح والتفاعل والتأثر عاشها جمهور جاء ليشاهد مسرحية «همس الكراسي»، ليجد نفسه جزءا من لعبة مسرحية اشتغل فيها المخرج على تقنية المسرح داخل مسرح، التي وظفها بذكاء، فاستطاع أن يصحبنا في رحلة إلى مكان غير موجود على الخريطة، وزمان خارج التقويم، لنتعرف على حال الإنسان إذا ما همست الكراسي بما يفعله. فماذا سيقول كرسي العاشق عما حدث بين حبيبين لم يُكتب لقصتهما أن تكتمل، وكرسي الحاكم الذي ينكل بمن يخالفه الرأي؟ وإذا همس ماذا سيحكي عن سعي الإنسان الدؤوب لتبوؤ منصب أو مكانة؟ ليطرح العمل سؤالا جدليا تختلف حوله التأويلات؛ الإنسان والسلطة... مَن يفسد مَن؟

ولعل الكاتب كان من الذكاء، بحيث جعل من الكرسي رمزا للسلطة، ولم يخصص هنا سلطة الحكم فقط، إنما سلطة المحب أيضا، وجعل من الكرسي رمزا لمشاهدات عدة في الحياة، كراسي المقاهي الشاهدة على ما يفضي به الشعب، وكراسي الحدائق التي توثق مختلف العلاقات الإنسانية، حتى كراسي الاتهام، وكراسي التعذيب.

جاء العرض ناطقا بالعربية الفصحى، تخللته بعض الحوارات بالعامية المحكية، ليؤكد البُعد العربي للقضية التي يطرحها، ويشير إلى هوية أبطاله، وخصوصية بعض المشكلات.

أما على المستوى البصري، فقد اصطحبنا المخرج في رحلة رمزية بدأها بمشهد خروج أبطال عمله من شرنقة بلاستيكية كانت تقيد حركتهم، ليبصروا النور جميعا، وتبدأ رحلتهم مع الكراسي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وعلى صعيد العلاقات الأسرية والرومانسية أيضا.

واشتغل المخرج على مجموعة من المشاهد، مستخدما أدواته، من حيث السينوغرافيا، التي كانت إحدى أهم النقاط المضيئة في التجربة القطرية، بدءا من تشكيلات الإضاءة، مرورا بالمؤثرات الصوتية، وصولا إلى قطع الديكور الرمزية البسيطة، التي أتاحت للممثلين التحرك بحرية في فضاء المسرح.

كما اشتغل المخرج رشيد على الممثلين بصورة واضحة، حيث قدم كل منهم حالة مختلفة عن الآخر، ربط بينهم جميعا خيط رفيع. ورغم تمكنهم وتناغم أدائهم على المسرح، غير أنهم افتقدوا الدقة، وشابت تحركاتهم الفوضى في مواضع عدة، ربما لأنها المرة الأولى التي يعرضون فيها على مسرح الدسمة.

من جهة أخرى، هبط إيقاع العمل في أماكن متفرقة، وشابه أيضا تعدد النهايات، ما أفقد المتلقي متعة التأويل عقب مشاهدة عرض يتسم بالرمزية، حيث لجأ المخرج إلى التبرير في آخر ثلاثة مشاهد، ولو اختتم عرضه عند مشهد التعذيب، لما انتقص ذلك من فكرة أو قيمة ما قدَّم.

أزعم أن المخرج رشيد يمتلك رؤية مميزة تجلت في مشهد التعذيب، الذي غابت عنه الحوارات، لكنه وصلنا بالاشتغال على الإيقاع الحركي، واستخدام المؤثرات. كذلك مشهد المقهى، وظف فيه المخرج الموروث الغنائي العربي، متمثلا بإحدى روائع كوكب الشرق أم كلثوم. وأخيرا مشهد الختام عندما تكدَّست الكراسي فوق بعضها، لتشكِّل هرما، والتحمت أجساد الممثلين فيه، ليؤكد المخرج فكرة عمله، ويضع الإنسان محل اتهام في علاقته مع الكراسي والسعي المستمر لمعرفة ما آلت إليه، كراسي الحكم أو العشق أو حتى الاتهام.

هناك دائما حكايات لم تروَ، وقصص رحل أصحابها، وستظل حبيسة مقاعد خشبية، فماذا يحدث إذا همست الكراسي بما تحمل من أسرار، وفاضت بما تحتفظ به من قصص وعِبر؟ هل يتعظ الإنسان أم سيظل أسير شهوة مقعد من خشب؟