تنص المادة 29 من الدستور الكويتي على أن « الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق و الواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين « ، كذلك نصت المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن « لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق و الحريات الواردة في هذا الإعلان ، دون أي تمييز ، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر ... دون تفرقة بين الرجال والنساء «

وعلى ضوء ماتقدم من مبادئ مستقرة في الدستور وفي المواثيق العالمية لحقوق الإنسان وما يمثلانه من حصانة مُقيدة للسلطة التشريعية أو التنفيذية عن المساس بأي من الحقوق المقررة للفرد لذا من المُعيب أن يكون هناك نصاً في إحدى تشريعات دولة الكويت يخالف تلك المبادئ .

Ad

وهذا النص المُخالف يتمثل في المادة رقم 17 من قانون الإجراءات و المحاكمات الجزائية والتي تنص على « يعلن الأمر لشخص المكلف بالحضور إذا أمكن ذلك ، وتسلم له صورة منه ، ويوقع على ظهر الصورة الأخرى بالتسلم ، وإذا لم يوجد المكلف بالحضور في محل إقامته ، فيكفي أن تسلم صورة الإعلان إلى أحد أقاربه ( الذكور ) البالغين القاطنين معه ، و يوقع المتسلم على الصورة الأخرى « .

أمر غريب أن يتعذر فيه القائم بالإعلان ( للقضايا الجزائية ) من تسليم تكليف الحضور لوالدة المتهم أو زوجته أو إحدى قريباته بحجة أن القانون يمنع تسليم التكليف لغير أقاربه الذكور ، هذا التمييز بسبب الجنس يخالف ما أرست عليه المحكمة الدستورية من مبدأ المساواة وذلك في الطعن رقم 17 لسنة 2017 حيث ذكرت « أن مبدأ المساواة لدى القانون يعد ركيزة أساسية للحقوق و الحريات جميعاً و دعامة من دعامات المجتمع و ميزاناً للعدل و الإنصاف و قيداً في الوقت ذاته على المُشرع ألا يتعداه في ما يسنه من الأحكام ، والمقصود بهذا المبدأ هو ألا يفرق القانون بين الناس

فلا يحرم أحداً شيئاً من الحقوق ولا يعفي أحداً شيئاً من الحقوق ولا يعفي أحداً من الواجبات العامة أو يضعه في أي الأمرين موضعاً خاصاً ، بل يعتبر الجميع في ذلك في منزلة سواء ، لا تفرقة بينهم أو تمييز ، وهذا المبدأ غايته صون هذه الحقوق و الحريات في مواجهة صور التمييز وأشكاله وتنال منها ، لذا فقد حرص الدستور على النص في المادة 29 منه على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق و الواجبات العامة ، لا تمييز بينهم وذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين « .

ومن المفارقة أن نجد في المادة 9 من قانون المرافعات المدنية و التجارية والتي تنص على أن « تسلم صورة الإعلان إلى نفس الشخص المراد إعلانه ، أو في موطنه ... وإذا لم يجد القائم بالإعلان الشخص المطلوب إعلانه في موطنه كان عليه أن يُسلم الصورة فيه إلى من يقرر أنه وكيله أو أنه يعمل في خدمته أو أنه من الساكنين معه من الأزواج أو الأقارب أو الاصهار ...) .

والسؤال المطروح بعد هذا التناقض الصارخ في التشريعات ، ما هو معيار الإختلاف بين إعلان القضايا المدنية وبين تكليف الحضور للقضايا الجنائية ؟ كيف الناس سواسية في الأول وفي إعلانات القضايا الجزائية يختلف الذكر عن الانثى !؟

وفي الختام لا نجد أبلغ من حيثيات الطعن الدستوري رقم 2 لسنة 1987 لتوصيل رسالة إلى المشرعين « ان المشرع العادي ليس طليقاً في باب الحقوق و الحريات من كل قيد ، فإن غاية سلطانه لا تمتد لأكثر من إنشاء المحاكم و تحديد درجاتها و توزيع الاختصاص فيما بينها دون أن يؤدي به ذلك إلى الإخلال بأي من المبادئ و الأصول المعبر عنها في الدستور ، ومن هذه الزاوية فإن المشرع في باب الحقوق و الحريات لا يمارس دوراً إنشائياً خلاقاً بل دوراً تنظيمياً محدداً ، فإن إنطوت حلول المشرع التشريعية على تفرقة بين المتقاضين في ممارسة أي من حقوق التقاضي كان مسلكه حتماً متجاوزاً للإطار أو الحدود التي رسمها الدستور واتسم

تشريعه بعد الدستورية ، ووفق نص المادة 164 من الدستور فإن المشرع العادي عليه أن يتقيد فيما يضعه من تنظيم يكفل إجراءات التقاضي و المحاكمة العادلة ، بكل المبادئ المعبر عنها في الدستور بوجه عام وبالنصوص التي تستهدف كفالة حق التقاضي بوجه خاص «

لذلك نتمنى تعديل المادة 17 من قانون الاجراءات و المحاكمات الجزائية لتتلائم مع الأطر الدستورية .